في العام «1967م» تم دمج حزبي الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي في حزب واحد اختير له اسم (الاتحادي الديمقراطي) وعندما تم دمج الحزبين أصدر السيد علي الميرغني زعيم الختمية وقتذاك بياناً بارك فيه الحزب الاتحادي الديمقراطي الموحد، وجاء في ذاك البيان أن وحدة الصف والهدف في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد أمر ضروري لتعزيز الاستقرار السياسي لكي يتفرغ العاملون للنهضة والبناء محققين بذلك آمال الشعب نحو مستقبل أفضل تحت ظل مجتمع إسلامي وحكم ديمقراطي سليم. هذا البيان وتلك المواقف والكلمات خاطبت الاتحاديين عندما كانوا فصيلين والأوضاع السياسية في تلكم الأوقات لم يطلها وصف التعقيد الذي هو سمة ملازمة لأحوال الاتحادي اليوم، أكثر من ثماني فصائل اتحادية في هذا الزمان كل يتربص بالآخر ويكيد له العداء، وملاسنات هنا وهناك وخلافات لا أول لها ولا آخر تعصف بالكيان الكبير يوماً تلو الآخر ولا أحد يخرج ليقول توقفوا مثلما قال كبيرهم في مطلع الستينيات من القرن الماضي، حالة من التشرذم والانقسام أدت إلى ضعف الانتماء للجسد الواحد، فالقيادات الاتحادية نسيت أن هناك أجيالاً لم ترَ القيادة الأبوية الراشدة التي قادت مرحلة الجلاء والنضال والسودنة والسؤال الذي يتجدد على الدوام هل بات من الصعب على الاتحاديين التوحد؟ ولماذا كلما يتجهون إلى تحديد موعد للمؤتمر العام يبتعدون عن ذلك ألف خطوة، «الإنتباهة» جلست لتقلب أوراق الحزب الاتحادي مع من يحسبون على الجيل القديم ألا وهو الشيخ حسن أبو سبيب القيادي الاتحادي رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي في برلمان «2006م» الذي أفاض بالكثير المثير في هذا الحوار الذي بدأناه بالسؤال: أين أنتم من المؤتمر العام؟ حقيقة لقد دعا رئيس الحزب السيد محمد عثمان الميرغني إلى قيام المؤتمر العام وذلك منذ العام قبل الماضي، لأن الحزب في ذاك الوقت منذ العام «1967م» لم يعقد مؤتمره العام، كان ذلك هو الموقف والحدث الذي يجب أن نعمل جميعاً من أجله، وبالفعل تم تكوين اللجان وذلك بقية تحقيق هذ الهدف والوصول إليه ولكن مرت السنوات ونحن الآن نقترب من منتصف العام «2014م» ولم نرَ شيئاً بعد أي أن المؤتمر لم ينعقد بعد، وطالبنا بالانسحاب من المشاركة في الحكم باعتبار أن المشاركة ضعيفة وهزيلة، ليس ذلك فحسب بل أن وزراءنا الموجودين ليس لهم أي موقع من حيث اتخاذ القرار بل ولا تتم استشارتهم. إذا كان هذا هو المشهد والحدث والموقف أين تقفون هل مع التيار (الحزب ورأي الزعيم) أم ضد التيار (الرفض) كيف هو حالكم حيال ذلك؟ لقد دعونا لاجتماع عاجل للمحليات السبع أي المشرفين السياسيين لتلك المحليات، وأنا باعتباري المشرف السياسي على محلية أم درمان شاركت في هذا الاجتماع، وقررنا وفقاً لتوجيهات رئيس الحزب النزول للقواعد وذلك لعقد المؤتمرات القاعدية تمهيداً لانعقاد المؤتمر العام، ولقد سرنا في هذا الطريق إلى أن وصلنا للاجتماع النهائي، ولقد كانت رغبتنا هي عقد هذا الاجتماع في دار الحزب، ولكن لم نوفق في ذلك لأن دار الحزب (المركز العام) أغلقت في وجهنا وذلك منذ أن بدأنا اجتماعاتنا حيث اعتبرنا أهل الحزب (المركز العام) بأننا عنصر رافض للمشاركة وبالتالي غير مرحب بنا أو مسموح لنا عقد أي اجتماع لقواعد أو المحليات بالمركز العام، فعقدنا جميع الاجتماعات في منزلي. هل معنى سياق قولك هذا أنك قد خرجت من الحزب؟ أنا لم أخرج من الحزب، ولكن عندما أغلقت أبواب دار المركز العام للحزب في وجهنا سبق أن تقدمت وقتها باستقالتي وأعلنت حينها أنني استقلت كمشرف سياسي، فجاء الرد سريعاً من مولانا السيد محمد عثمان الميرغني وهو وقتها موجوداً بلندن وذلك برفض الاستقالة وعدم قبولها. إذن مولانا الميرغني متمسك بك حتى الآن بالرغم من اعتراضاتك على المشاركة في الحكم وعلى النشاط الذي تقوم به في سبيل عقد المؤتمر دون رغبة البعض أليس كذلك؟ حتى الآن هو متمسك بي بل ورافض بشدة تلك الاستقالة التي تقدمت بها، فأصبحت بالتالي استقالتي معلقة لأن الميرغني لا يزال رافضاً لقبولها. في المسيرة السياسية السودانية هناك من يبصم بالعشرة للقائد الأول في الحزب كان ذلك في حزب الأمة أو الشعبي أو الوطني الموحد في السابق، فهل أبو سبيب هو من الذين يبصمون بالعشرة للزعيم الميرغني كقائد حزب اتحادي ولو كان الأمر كذلك لماذا الاختلاف مائة وثمانين درجة الآن؟ أنا لست من الذين يبصمون على الإطلاق، والسيد محمد عثمان يحترمني جداً وأنا أحترمه كذلك وأقدره، ولكنني فقط أؤمن بالرأي والرأي الآخر، فالحزب اسمه الاتحادي الديمقراطي ولكن بهذا التعسف وهذه الممارسات من الواضح جداً أن الحزب لا يمارس الديمقراطية في داخله فهي غير موجودة بذات المعني على الإطلاق. هل الأزمة داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل سببها رئيس الحزب أم القيادات الأخرى؟ بالطبع الأمر كله هو بيد الرئيس وإذا نظرنا للماضي قليلاً من حيث الهيكلية والمؤسسية نجد أن آخر مكتب سياسي تم تكوينه كان قبل مدة بعيدة من الزمن، بل وتم تكوينه خارج السودان إبان المعارضة بالخارج وذلك فيما يعرف بالمؤتمر الاستثنائي الذي انعقد بالقناطر بالقاهرة، وبالتالي فذاك هو مؤتمر استثنائي وليس مؤتمراً عاماً فهو الذي أفرز المكتب السياسي عن طريق التعيين وليس الانتخاب. وعندما عدنا من القاهرة في وقت مبكر من الآن مات المكتب السياسي ولم ينعقد حتى هذه اللحظة أي ما يقارب العشرين عاماً، وبالتالي ظللنا نتساءل لماذا انتهى هذا المكتب السياسي منذ ولادته ولم يعقد أي اجتماعاً حتى ولو واحداً، وبنهاية المكتب السياسي ذاك انتهت بموجب ذلك كل الأمانات والمكاتب السياسية التي تم تكوينها في القناطر بالقاهرة. وكذلك تم تعيين هيئة القيادة كبديل للمكتب السياسي وهيئة القيادة أيضاً هي الأخرى ذهبت أدراج الرياح. طالما كان هذا هو الواقع الذي يسير عليه الحزب فما هو الخط الذي رسمتموه طريقاً لكم؟ خطنا العام كما ذكرت لك هو اللجوء للجماهير عبر إطلاق الدعوة لعقد المؤتمرات، والمطالبة بقيام المؤتمر العام وهذا ما تم الإجماع حوله والاتفاق عليه في جميع الولايات، ونحن في ولاية الخرطوم قدمنا هنا زمام المبادرة للوصول لهذه الغاية، والآن نقوم بإجراء الاتصالات مع الولايات لتحذو حذونا هنا، ذلك من عقد للمؤتمرات وتفعيل اللجان القاعدية لأنه لا يوجد حزب بلا قواعد. هل هناك خلاف على قيادة الميرغني للحزب أو هناك من ينازعه على ذلك؟ إطلاقاً.. ليس هناك خلاف على قيادة الميرغني للحزب، ولا يوجد من ينازعه على القيادة للعشرة سنوات القادمات. إذن لا بديل للسيد محمد عثمان الميرغني في قيادة الحزب إلاّ هو نفسه هل تعني ذلك؟ نعم.. هذا القول بالضبط صحيح تماماً، فنحن ليس لنا عداء مع السيد محمد عثمان الميرغني. بالرجوع للشعار التاريخي السابق (لا قداسة مع السياسة) هل تعتقد أن هناك ثمة رؤية جديدة باتت تلوح في الأفق تستهدف التقليل من تأثير الطريقة الختمية داخل المسار السياسي للحزب؟ حقيقة السيد محمد عثمان الميرغني له مقولة شهيرة هنا هي أن كل ختمي هو اتحادي وليس كل اتحادي هو ختمي، فهناك اتحاديون لهم طرق صوفية أخرى وبالتالي ليس كل الاتحاديين هم ختمية. يقولون إن الذي يعطِّل مسيرة الحزب هو الشد والجذب ما بين أهل اليمين وأهل اليسار فما ردك؟ لا إطلاقاً ليس كذلك.. أنا أعني بذلك أنك تمثل اليمين داخل الحزب هل هذا صحيح؟ حقيقة في فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي أنا كنت قيادياً في الحركة الإسلامية، وفي ذاك التاريخ كان المسؤول عن الحركة الإسلامية المرحوم الرشيد الطاهر بكر وبابكر كرار وميرغني النصري وعبد الله زكريا وعلي محمود حسنين كان من الإخوان المسلمين الشرسين وميرغني عبد الرحمن وحسن شبو، فجميعنا كنا حركة إسلامية لمدة أربعة وعشرين عاماً أي منذ أن كنا طلاباً في المدارس، وسبب خروجنا من الحركة الإسلامية هو أنه عندما عاد د. حسن الترابي من فرنسا وانعقد مؤتمر الحركة الإسلامية، فأذكر أن الترابي قال في ذاك المؤتمر إن اسم الإخوان المسلمين هو اسم منفر ولا بد من البحث والاتجاه نحو اسم آخر، فحدث الانشقاق وقتذاك. يعني هذا أول انشقاق شهدته الحركة الإسلامية منذ ميلادها؟ نعم ذاك كان أول انشقاق عرفته الحركة الإسلامية وشهدته حيث انشقآت وقتذاك إلى أربعة فصائل، وبالتالي فانشقاقات العصر الحديث هي ليست بدعة. فما نشاهده الآن في الحركة الإسلامية هو الانشقاق الأصغر أما ذاك فكان هو الانشقاق الأكبر، فنحن كنا من قدامى السياسيين الذين دخلوا الحركة الإسلامية، وعندما خرجت أنا وآخرين ذهبنا إلى الحزب الوطني الاتحادي وذلك قبل أن يكون الاتحادي الديمقراطي، وظللنا منذ ذاك الوقت في الحزب الاتحادي الديمقراطي إلى أن حدث الانشقاق في الحزب الوطني الاتحادي وتكون بعد ذلك حزب الشعب من الختمية، وحينها ظللنا داخل الحزب الاتحادي ولم نذهب إلى حزب الشعب الديمقراطي على الإطلاق، فحزب الشعب كان قوامه الختمية والوطني الاتحادي كان قوامه الاتحاديين، فاستمرينا على هذا إلى أن جاء العام «1967م» ذاك التاريخ الذي توحد فيه الحزبان (الشعب الديمقراطي والوطني الاتحادي) فصار الحزب الاتحادي الديمقراطي الاسم الذي نحن عليه الآن. معنى هذه الفزلكة التاريخية أنكم كنتم تمثلون اليمين المعتدل داخل الحركة الاتحادية أليس كذلك؟ نعم.. هذا صحيح. لقد سألت الراحل الشريف زين العابدين الهندي عندما كان أميناً عاماً للحزب ونائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية فقلت له في حوار من الحوارات أن اليسار قد تمكّن من الحزب الاتحادي الديمقراطي بصورة كبيرة وربما يأتي زمان يعلو فيه صوت اليساريين عليكم داخل الحزب، فكان رده هنا (اليسار يعلو فينا ولكنه لا يعلو علينا) فالآن كلكم يمين أم هناك يسار؟. لقد انحسر اليسار داخل الحزب الاتحادي، فذاك زمان سياسي معني ولا وجود لليسار الآن داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي، فالآن هناك اليمين المعتدل من الوطني الاتحادي والختمية وهذا هو الصراع الآن الذي يدور داخل الحزب الاتحادي. ماهي النهايات المتوقعة من هذا الصراع؟ الآن هناك تحرك من القوى الشبابية وكل القدامى من المحاربين في الحزب الاتحادي الديمقراطي والذين لم يبقَ منهم إلا القليل أمثال أبو سبيب وغيره. إذن أنتم كجيل ذهبي تريدون أن تختموا عهدكم السياسي وتودعوا الحزب بنهايات مشرفة تضع الحزب وشبابه أمام مستقبل سياسي زاهر وباهر هل هذه هي غايتكم؟ نعم هو كذلك.. فأنا من دعاة إفساح المجال للجيل الجديد من الشباب، وأن ما تبقى من عواجيز الاتحاديين يجب أن يشكلوا مجالس استشارية تنير طريق هؤلاء الشباب. هل هذه الدعوة يمكن أن تعمم أيضاً لتشمل الميرغني نفسه وفي الأحزاب الترابي والصادق المهدي؟ نعم.. هي دعوة لكل القدامى.. فعلى هؤلاء أن يترجلوا ويفتحوا المجال للجيل الجديد، لأن المفاهيم العالمية جميعها الآن ومقتضيات العولمة كلها تشير إلى نهاية هذا الجيل الذهبي من السياسيين، فهذا الجيل العتيق قد انتهى دوره التنفيذي بعد أن أدى رسالة لزمن محدود وفي وقت محدود أيضاً وذلك وفق منهج وتفكير معين، فلقد آن الأوان لهذا الجيل أن يترجل عن العمل السياسي. بانعقاد المؤتمر العام للحزب الاتحادي الديمقراطي إذا تم له الانعقاد هل ستشهد الساحة السياسية مغادرة الجيل القديم وترجله؟ نعم هي دعوة وموعد لأن يغادر كل الجيل القديم الحياة السياسية العملية.