نجد في كثير من الأحيان أن للمبدع أينما كان أقرباء ساروا على ذات نهج الإبداع، فخرجت أسرة مبدعة ربما توافقت في ضرب الإبداع نفسه وربما اختلف عنه في النوع، نجد أن هنالك نماذج عديدة محلياً وعالمياً.. فالشاعر صديق المجتبى وآل الكتيابي ينتمون لسلالة الشاعر التيجاني يوسف بشير، والكاتبة السورية غادة السمان تربطها صلة قرابة بنزار قباني.. فحواء عموماً ولود أينما كانت، إلى ماذا نعزي انطلاق مبدعون من أسرة واحدة، هل للبيئة المتشارك فيها دور قوي في بث روح الإبداع في نفوسهم على حد سواء، أم ثمة إبداع مورّث وجد طريقه إلى أفرادها، أم أن وراء ذلك أمر آخر؟ (نجوع) تناولت الظاهرة وخرجت بالمحاور التالية.. ٭ إضاءة: أسرة تاج السر الحسن شاعر آسيا وأفريقيا، بها شعراء كبار أسهموا في نقل الشعر السوداني الحديث إلى فضاءات أرحب فالشقيق الأصغر الدكتور تاج السر هو الشاعر الصحفي الحقوقي اللواء معاش الأستاذ الحسين الحسن عليه رحمة الله صاحب حبيبة عمري وطائر الهوى وأكاد لا أصدق والخميس البعيد ورياح الشوق درر الأغاني السودانية التي تركت كما قال د. تاج السر في تقديمه لديوان الحسين ظلاَ من الشفافية والوجدانية المموسقة في ألحان عبد الكريم الكابلي وبشير عباس والبلابل وصارت محطات مضيئة في مسيرة الأغنية السودانية الحديثة. وهنالك ابن عمه الشاعر والمربي الجليل والمعلم الكبير عوض أحمد الحسين عليه رحمة الله صاحب ديوان (مشاعر إنسان) الصادر عن المجلس القومي للآداب والفنون في سبعينيات القرن الماضي، صاحب واحدة من أعمق الأغاني السودانية شجناً وتطريباً ورقةَ أغنية (يانسيم أرجوك) التي تغنى بها التاج مصطفى فصارت واحدة من أجمل الأغاني السودانية الحديثة التي صاغت وجداننا وساهمت في ترقية الذائقة الغنائية، تغنى بها أيضاً صلاح ابن البادية وأضاف إليها نفسه الصوفي العميق، ويقول فيها: يانسيم أرجوك روح لها وحييها بالغرام البي والشجون أحكيها الناقد الفني مصعب الصاوي قال في حديث سابق: (إن الفن لا يورث لكن المسألة تعتبر إلهية، لكن من الممكن أن ينشأ ابن الفنان في وسط معين يسمح له بالتأثر، وأضاف الصاوي أن البيئة أو الوسط الفني أو الثقافي التي ينشأ بها ابن الفنان تتسبب في أن تكون لديهم إمكانية للتفاعل مع هذه الأجواء، وقال الصاوي: (مثلاً شريف شرحبيل ابن الفنان شرحبيل أحمد صار مغنياً وملحناً كذلك ومحمد شرحبيل أحمد أصبح عازف جيتار، ويرجع ذلك لأنهم نشأوا في بيئة فنية فوالدتهم الأستاذة زكية عازفة ووالدهم شرحبيل فنان وملحن). ٭ لا يُورّث الفنان التشكيلي الأستاذ عوض صديق قال في حديثه ل (نجوع) إن للبيئة دوراً في انطلاق عدد من المبدعين من أسرة واحدة، وأن الفنان عموما هو ابن بيئته لذا نجده كثيرًا ما يتأثر بها، والبيئة نفسها تترك لدى المبدع مخزوناً هائلاً من المفردات سواء كانت بصرية أو غيرها وأضاف أنه يعتقد أن الإبداع لا يُورث لأنه قد يكون وليد لحظة أو معاناة أو ممارسة، وأن الموهبة وحدها هي التي تورّث من ناحية جينية. وذكر أن فيما يتعلق بقبيلة التشكيليين نجد إبراهيم الصلحي الفنان التشكيلي المعروف وشقيقته سعدية المعروفة في مجال الفنون الشعبية إذ تعتبر مرجعاً مهماً في المجال. ٭ المجاذيب وآل الكتيابي الدكتور إبراهيم إسحق قال في حديثه مع (نجوع): قد لا نفاجأ بوجود أكثر من مبدع في عائلة واحدة، قديماً وحديثاً ففي الشعر الجاهلي هناك زهير بن ابي سلمى وابنه، وهناك علاقة بين إمرئ القيس والمهلهل. ويمكن أن نعمم أن أكثر من موهبة قد تجتمع في أسر فقهية أو فلسفية في الحيز الثقافي السوداني هناك محمد سعيد العباسي وابنه وحفيده. كما نلاحظ عند المجاذيب دكتور عبد الله الطيب ومحمد المهدي المجذوب، وسلة من آل الكتيّاب، حفظهم الله. إذا استخرجنا قاعدة لهذا الأمر ربما رأينا أن البيئة الثقافية التي تتشكل فيها هذه المواهب تلعب الدور الأول في جذب انتباه الناشئين في الأسرة لأهمية سلوك هذا الطريق للإبداع. ولما كان كل أطراف الأسرة ليسو بموهوبين فإننا نتوقع أن يتجه بعضهم نحو حياة علمية أو عملية، بينما يتجه أصحاب الميول الإبداعي نحو سلوك الطريق الاختلاقي الذي سلكه كبارهم. ٭ للبيئة أثر الأستاذ الناقد عز الدين ميرغني قال للبيئة أثر كبير في تشجيع العملية الإبداعية وكذلك التربية، فأحياناً يربي الكاتب أبناءه على القراءات الجادة، والطبيب أيضاً يشجع أبناءه على ممارسة المهنة، رغم أن علمياً ليس هنالك ما يثبت أن الأدب يُورّث لأنه يعد اكتساباً خاصاً ومجهودات شخصية ولا يدّرس في الجامعات حتى يصير الإنسان به أديباً، إنما قد يورّث في الإنسان الذكاء ولكن الأدب هو عملية ذاتية فردية.