في بداية شهر أكتوبر المنصرم عبر موكب اللجنة الإدارية لتسيير شؤون أبيي من الخرطوم إلى أبيي جواً وبراً دون عراقيل وخوف، وذلك مؤشر واضح على أن الأمن ساد ربوع المنطقة والآن تمشي وسلاحك «عصا»، مما يؤكد أن زمن التفلتات في تخوم أبيي وداخلها ولى، وآمل أن يكون بلا رجعة. ولجنة التسيير بعض من أعضائها مهنيون ولهم تجارب فى مجالات الإدارة والتنمية والعمل الطوعي والإنساني الذي لا يعرف اللون والعرق، وتقدم الخدمات للمسيرية ودينكا «ماريق» نقوك ومشاركيهم من القبائل الأخرى، نعم بوصفنا مسيرية مازلنا ننظر للمنطقة من نافذة التفاؤل بمستقبل حياة آمن تسوده الطمأنينة وروح التعايش مع شريك لا بد أن يحمل نفس الروح بعد الوصول إلى قناعة بأن المجرب من استخدام عنف وإقصاء طرف يزيد المنطقة دماراً وخراباً دفع ثمنه أهالي «نقوك» والذين دفعوهم إلى جحيم المتاعب يستأسدون بما طاب ولذَّ من وجبات دسمة وشراب يساعد على الهضم فى فنادق خمس نجوم وحال أهلهم أكل ورق الشجر، وأهلاً وألف مرحب بلجنة تسيير أبيي من مسيرية ودينكا وبطون من قبائل أخرى، وزيارتهم تعني الوقوف على ما تبقى من أطلال السبب فيها تصرفات الحركة الشعبية ومحاولة إعادتها إلى سيرتها الأولى، ولكن ما سمعته وشاهدته فى مقابلة تلفزيونية فى SSTV «تلفزيون دولة جنوب السودان» مع المدعو إدوارد لينو يوم 11/10/2011 بعد يوم من ختام زيارة رئيس دولة الجنوب يدعو إلى الريبة والشك بعدم تلطيف جوء الزيارة التى توقع الكثيرون بأنها ستدفع علاقات البلدين الى وفاق تصالحي يسهم في حل القضايا العالقة، ولكن العجيب فى الأمر ضيف الحلقة، أى إدوارد، الذي يتحدث بنشوة واضحة من حركة عيونه وتقاطيع وجهه، مع إجابات فيها عدم تركيز جعلت مقدم البرامج فى وادٍ وضيفه فى وادٍ آخر، الرجل يريد أن يجعل من كل الشريط الحدودى نقاطاً تحمل مسمى أبيي من حيث الشحن والتوتر، لأنه بدأ بالحديث عن «حفرة النحاس وكفياقنجى والمقينص وكاكا والمابان بأنها مدن غنية وتتبع لجنوب السودان، وهو يسأل عن أبيي ويجيب بغيرها». وندرك إدراكاً لا يساوره الشك أن إدوارد لينو هو العدو الأول والحقيقي والفتنة لأهل أبيي، لأنه عدو للتنمية والإعمار، واسمه ارتبط بأكثر من حريق في أبيي، فهل نجرب المجرب من تنمية داخل أبيي «الواك»؟ التنمية فى داخل مدينة أبيي تعنى تكرار وتجريب مجرب، وذلك يعنى «تعمير، حريق، ثم تعمير ثم حريق» وهذه المرة نريد تنمية وإعماراً بمعايير مختلفة، تنمية موازية لتنمية المنظمات الكنسية التي تعمل وتعمر جنوب أبيي، وبالتحديد فى منطقة «النيت» جنوب البحر. والهدف استراتيجى، وواضح جداً أن تكون خط رجعة لدينكا نقوك متى ما أصبحت المنطقة تحفها المخاطر، ونحن أيضاً بوصفنا مسيرية نطالب بتنمية شمال وغرب وشرق أبيي في الحزام الذى يؤمن تحركنا وسط مراعينا، تنمية تجعل لنا وجوداً دائماً في سلسلة قرى ومدن متقاربة تضمن لنا استقراراً يجنبنا الرحلة الموروثة والشاقة من أجداد الأجداد التى أصبحنا فيها لا نملك إرادتنا التى جعلتنا نتبع البقرة على مزاجها حِلاً وترحالاً، بدلاً من أن تتبعنا البقرة ونخطط لها، وكيف نقيم حظائر ألبان ومحاجر صحية نستجلب لها البقر الحلوب التى تدر علينا لبناً ولحماً وليس كماً وعدداً كما نحن عليه اليوم. ومزارع للخضر والفاكهة يتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل. لأن وجوداً دائماً فى داخل أبيي وعلى تخومها يجعلنا قريبين من صنع القرار وما يدور من مخططات نكون على دراية بها ومن على القرب، نريد تنمية ببرامج مدروسة تشجع على الاستقرار وأبيي على مرمى حجر، تنمية مصحوبة بمحفزات تشجع على التمسك بالأرض، تنمية جوار بجوار على طول الشريط الذي يحلم به أتيم قرنق ولينو، ويريدون أن يجعلوا منه مشاريع لزراعة الأرز حتى نفاجأ بها بعد عودتنا من رحلة النشوق «القوز». ونريد تنمية بشرية تكون مصحوبة بالجانب الثقافي والاجتماعي، نريد تنمية بخطط وبرامج علمية مدروسة تجنبنا فشل تجربة المجرب من «التركتورات» التي وزعت من قبل الهيئات والمنظمات والصناديق التي كان الهدف منها زراعة المشاريع، لكن سياسيي المسيرية بالمركز وزعوها بسياسة «كبر كومك» لأنها الآن بحوزة أشخاص وتعمل خارج الهدف التنموى الزراعي، وتحولت من المصلحة العامة إلى الخاصة، ولأنها وزعت بضوابط تفتقر إلى الجانب المؤسسي والمحاسبي. وكل ما نرجوه من الدولة دعم برامج التوطين واستقرار الرحل بموجهات الدولة من حيث الإعمار والرؤية المستقبلية التى تضمن شمالية أبيي، وموقف الدولة بخصوص أبيي لا يحتاج إلى مراهنة من حيث ولاء الناس ومجتمع المنطقة، وخصوصاً بعد دخول القوات المسلحة وبسط السيطرة الكاملة على تراب أبيي، وكسر شوكة الحركة الشعبية والمتآمرين معها. وأول الظعينة في تخوم أبيي نريدها ظعينة بلا عودة إلى النشوق، نهاية مطافها استقرار دائم داخل أبيي وحولها، استقرار تتوفر له كل المعينات والخدمات من أمن وصحة وتعليم وتنظيم مراعٍ مع عيادات بيطرية متحركة. والاستقرار يريد إرادة قوية تخالف مزاج الترحال الذي لم نجن منه سوى المشقة والتعب والمرض والجهل، ونقتل أمل الذين يريدون أن يحولوا ديارنا إلى مزارع للأرز، ونقطع الطريق أمام طموحاتهم التي تهدف إلى اقتلاعنا من على الأرض، والاستقرار هو الضامن الوحيد لعدم نجاح أمل الطامعين، وجربنا معهم الحرب، وحصاد تجربتها واضح، وجربنا معهم مؤتمرات الصلح والتعايش، وجربنا معهم تبادل الديات، لكن هذه المرة سنجرب الاستقرار الدائم والمشاريع الزراعية، وتجربة الاستقرار حصادها معلوم خير وبركة، ونقول لدينكا «نقوك» بالتحديد الذين يريدون التعايش نحن أهل تعايش بفهم التداخل مع حدود مرنة فيها نتبادل المنافع ونعود لمربع التآخي، أما إذا أرادوها حدوداً ملتهبة فلتكن، أما إدوارد لينو فلديه من المشكلات الأسرية المعقدة جداً، فليهتم بحلها أولاً حتى تضمن له حياة زوجية مستقرة وهادئة، وهى سبب توتره، وعليه الاهتمام بها بدلاً من أبيي التي تدخل فيها لشيء فى نفسه، وهى الزواج المشروط من بنت عشرين وهو على ثمانينيات العمر بتحرير أبيي وقتها، وفى النهاية خسرها وخسر أبيي بسبب حماقاته الخاسرة دائماً وعدم كسب الرهان بحكم فارق السن ومطالبتها بالخلع، وتدخل إدوارد وعرمان السافر فى أبيي قاسمه المشترك الزواج من بنات أبيي، يعنى دفع فاتورة نسب حتى تستقر البيوت، والآن يجربون المجرب بإعداد أكثر من لواء لتحرير أبيي على حسب علمنا من وراء البحر إذا لم يوافق الشمال على محفزات الغرب وحكومة جنوب السودان التي لسان حالها يقول «أبيي مقابل النفط» ووعود أخرى، وهي مقايضة الأرض بمحفزات تنمية من دول ومنظمات همها الأول والأخير إلحاق أبيي بالجنوب بعد أن نجحت في فصل الجنوب ورفضناها، والآن يجربونها ويغازلون بها لكن بشكل وعرض مختلف. والطلب في حد ذاته ليس جديداً، لكن إعلامنا درج على تناول المادة القديمة ووضعها فى قالب جديد من غير لفت نظر المتلقي، بأن طلب مقايضة أبيي مقابل المال والنفط هو تجريب مجرب، والهدف شرذمة الوطن، وأبيي فقط صداع لحمى مشخصة.