الزيارة الأخيرة غير المعلنة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري التي أثمرت عن موافقة الرئيس سلفا كير على فتح مفاوضات مباشرة مع نائبه من أجل تطبيق وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية. هذه الزيارة تعتبر أبرز مسعى حتى الآن للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في هذا النزاع الذي أغرق جنوب السودان في دوامة عنف وحشية ارتكبت خلالها جرائم حرب ومجازر أثنية واغتصاب وتجنيد أطفال، وذلك حسب تقارير أممية ومنظمات مجتمع مدني وإنساني التي لفتت نظر المجتمع الدولي للوضع الإنساني في جوبا. وفي مطلع أبريل الماضي وقع الرئيس الأمريكي باراك أوباما قراراً يمهّد الطريق لفرض عقوبات على أفراد ومؤسسات في جنوب السودان، لكن من دون فرض أي عقوبات فعلية، وبحسب بيان للبيت الأبيض، موقف جوبا بعد أن فشلت في التوصل مع رياك مشار قائد التمرد بدولة الجنوب جعل من إمكانية فرض العقوبات أمراً وارداً، وهذا الفشل يمهد الطريق لفرض عقوبات على الأفراد الذين يعرقلون عملية السلام بين طرفي الصراع في جنوب السودان. إلا أن جوبا صرحت ب «أن ما يحتاجه جنوب السودان هو السلام والمساعدة وليس العقاب». ويرى الخبير الإستراتيجي عباس شاشوق أن ما أفرزته الحرب أدى لظهور القبليات الأخرى، ما بين مؤيد لكل طرف من الأطراف وترتب على هذا مزيداً من الدمار والقتل مما حدا بالأهالي للفرار بحثاً عن الأمن، وأصبحت جوبا بعد أن كانت لها رؤية محددة وأصدقاء من أوربا لكن المجتمع الدولي انتبه لما يحدث في الجنوب وتعنت مواقفها في الحوار وعدم تنفيذ الاتفاقيات لذلك اضطرت إلى تغيير وجهة نظرها بسبب الضغوط على سلفا كير وما يختص بالمعونات والدعم كذلك أقرت عليه أن يصل إلى حلول مع نائبه. ويرى متابعون أن الولاياتالمتحدة تتعرض لضغوط من أجل التدخل، لأنها كانت الراعي الأساسي لانفصال جنوب السودان وضخت مليارات الدولارات لمساعدة البلاد منذ انفصالها عن السودان في «2011» والزيارة الأخيرة لوزير الخارجية عبرت عن نفاد صبر واشنطن حينما قال: إن أعمال كير ومشار «تخيب الآمال» لا سيما وأن التنافس بينهما أدى إلى موجة أعمال قتل اثنية بين قبيلتي «الدينكا» التي يتحدر منها كير، و«النوير» التي ينتمي إليها مشار، محذراً من خطر حدوث عملية إبادة وانتشار المجاعة في جنوب السودان، ملوحاً بفرض عقوبات على كل من مشار وكير. وقال كيري خلال زيارة إلى إثيوبيا: «هناك مؤشرات مقلقة للغاية أن عمليات قتل على أسس أثنية وقبلية وقومية تجري في جنوب السودان ما يثير أسئلة خطيرة. وإذا ما استمرت عمليات القتل بالطريقة هذه، فيمكن أن تشكل تحدياً خطيرًا للغاية للمجتمع الدولي يتعلق بمسألة الإبادة». وأضاف كيري «يجب محاسبة المسؤولين عن عمليات القتل المستهدفة على أسس أثنية وقومية، ونحن نعكف على دراسة فرض عقوبات ضد من ينتهكون حقوق الإنسان ويعرقلون المساعدات الإنسانية»، وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً: «إن كيري التقى قادة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا أمس وبحث حجم الفظاعات التي ارتكبت في جنوب السودان وضرورة المحاسبة». وما حدث في دارفور منذ اندلاع الحرب عام «2003» وبسبب الأوضاع الإنسانية التي اتخذها المجتمع الدولي ذريعة لفرض عقوبات على السودان، وما يحدث في جوبا الآن يبدو أشبه بما حدث في السودان، وإن اختلفت في أسبابها وفي الشهر الماضي أودت مجزرة بمسجد بانتيو بحياة المئات من السودانيين المسلمين في الجنوب وأعلنت الأممالمتحدة العثور على مقابر جماعية في مدينة بانتيو، مشيرة إلى احتمال وجود مقابر مشابهة في العاصمة جوبا، ما يضع طرفي النزاع الرئيس سلفا كير ونائبه السابق وخصمه الحالي رياك مشار في دائرة الاتهام بعمليات قتل جماعي، أو ربما تطهير عرقي. وطلبت الأممالمتحدة أموالاً لمواجهة الوضع الإنساني الملح في جنوب السودان، حيث فر عشرات الآلاف من المدنيين من المعارك وأعمال العنف في الأيام الأخيرة، وقال منسق الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية في جنوب السودان توبي لانزر إن «09» ألف شخص على الأقل نزحوا منذ «10» أيام، بينهم «58» ألف لجأوا إلى قواعد الأممالمتحدة في البلاد. وال «90» ألف هم فقط من تمكنت الأممالمتحدة من إحصائهم، إذاً تبقى جوبا في بعض المواقف تتخذ وتنتهج نهجاً أقرب إلى سياسة الخرطوم ويجعل من جنوب السودان أمام خيارات عديدة حتى تتوصل إلى اتفاق مع متمرديها ولا تخسر بذلك المجتمع الدولي الذي ربما سيفرض عقوبات عليها حال استمرارها في مواقفها.