أزعم أننا في منبر السلام العادل من أشد الناس فرحاً بتحرير الكرمك وبتطهير كادوقلي وتلودي وغيرهما من مدن جنوب كردفان وبسقوط مسخرة «الجنوب الجديد» الذي ظلَّ عرمان يهرف به ويمني نفسه بأنه سيكون منصة الانطلاق نحو إقامة مشروع السودان الجديد في الخرطوم!! ولذلك فإننا بنفس القوة التي ظللنا ننتقد بها الانبطاح الحكومي في التعامل مع الحركة الشعبية منذ نيفاشا ومع عملائها عقار والحلو وعرمان خاصة تلك الانبطاحات التي أوشكت أن تحيي نيفاشا من جديد بعد أن قبرت وبعد أن انفصل الجنوب وذهب إلى دولته بعيداً عن الشمال... أقول بنفس القوة التي انتقدنا بها تلك المواقف الهزيلة التي أوشكت أن توردنا موارد الهلاك فإننا لا نتردد في أن نشيد بالمواقف الأخيرة للحكومة والتي بدأت بطرد الحلو وعقار وتحرير كادوقلي ثم بطرد عقار وتحرير الدمازين وانتهت بتطهير الكرمك فقد كان لزيارة الرئيس البشير للكرمك في عيد الفداء وحديث التحدي والتحذير الذي وجّهه للحركة الشعبية مغزى كبير ورسالة مدوِّية إلى العملاء والخَوَنَة والمارقين فها هي القوات المسلحة تزيل أخيراً آثار نيفاشا وتحرِّر أرض الشمال من رِجس الحركة وها هو الأذان يصدح من مآزن الولاية العزيزة التي أحالها عقار والحركة الشعبية إلى خمّارة كبيرة وهل أبلغ من أن تعود الكرمك والنيل الأزرق إلى حضن الإسلام بعد 41 عاماً قضتها في أحضان الأنجاس من أعداء الإسلام وهل من فرح أكبر من أن يعود الإسلام إلى الكرمك بعد أن أوشكت أن تتنصّر؟! لقد كان أمراً مؤلماً بحق أن أحد كبار ضباط الاستخبارات قدّم لنا تنويراً عند زيارتنا للدمازين للتهنئة عن ولاية النيل الأزرق خلال فترة حكم عقار فقال إن قبيلة «ذكر اسمها» قد تنصَّرت بكاملها وهجر أبناؤها الإسلام!! كيف لا تتنصّر وعقار، العدو اللدود للإسلام، يعلن أن ربه هو «ذلك الجبل» وأشار إلى أحد الجبال بأصبعه وكان الرجل قد تحدّى قبل أيام من اقتلاعه ربَّ العزة سبحانه وقال إنه إذا كان على باطل فليُنزل عليه الرب آية وما كان ربُّك نسياً!! لقد بلغ الغرور بعقار درجة أن يظن أنه بات قاب قوسين أو أدنى من حكم الخرطوم فبعد أن حكم النيل الأزرق من خلال الانتخابات المزوَّرة ذهب الرجل إلى كادوقلي ليعلن من هناك قبل انتخابات جنوب كردفان أنهم سيكتسحون انتخاباتها وردَّد ذات التهديد «يا النجمة يا الهجمة» ثم قال بعد أن أوحت له أوداجُه المنتفخة وجسدُه المتورِّم من السُّحت أنه خرق الأرض وبلغ الجبال طولاً.. قال إنه سينقل المعركة إلى الخرطوم بل إلى القصر الجمهوري ثم قال إن «الكتوف اتلاحقت» لأن له جيشاً كما أن للبشير جيشاً ثم واصل هذيانه حين طلب من البشير أن يُرسل علي عثمان ونافع إلى الدمازين لكي يقابلا نظيريهما ثم تُرفع توصيات اللجنة المشتركة الممثِّلة لكلٍّ من البشير وعقار إلى الزعيمين الكبيرين!! بربكم هل رأيتم كيف بلغ الغرور بذلك الأحمق؟! أين عقار اليوم وأين الحلو؟! ثم أين الرويبضة الذي يهيم على وجهه في أمريكا وأوروبا بعد أن أصبح السودان حرامًا عليه أكثر من حُرمة مكة على المشركين؟! إنها نعم الله تترى على بلادنا فأين نحن اليوم وكيف كنا قبل أشهر قليلة عشية انفصال الجنوب الذي بدأنا به مسيرة التحرير الكبرى؟ لقد بلغ الغرور بهؤلاء الحمقى أن يتحدث سلفا كير من جوبا في يوم تدشين دولته الجديدة ويقول إنهم لن ينسوا دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي!! قال ذلك ويا للعجب أمام الرئيس البشير الذي ذهب إليهم مهنئاً.. قال ذلك بالرغم من أن دولته لم تبلغ أن تُكتب بقلم الرصاص!! الآن وقد تحرَّرت الكرمك وبات عقار طريداً ذليلاً كسيراً بعد كل ذلك الغرور أود أن أسأل أيهما بربِّكم أثبت جدواه أسلوب الانبطاح أم أسلوب العزة والجهاد والقوة؟! الآن الحركة الشعبية هي التي تولول وتلطم الخدود وتشقُّ الجيوب وتشكو إلى مجلس الأمن متّهمة حكومة السودان بأنها تدعم الثوار الذين باتوا يهدِّدون بعض مدن الجنوب الكبرى ويوشكون أن يقتلعوا الحركة من جوبا.. الآن تنشأ حركة بديلة نظيرة للحركة الشعبية لتحرير السودان داخل جنوب السودان حركة باسم «حركة تحرير جنوب السودان» وينشأ جيش نظير يسمَّى «جيش تحرير جنوب السودان»!! بالله عليكم أليس من الهوان أن تُصرّ الحركة الشعبية لتحرير السودان على الاحتفاظ بذات الاسم وأن يقودها نفس الرجال الذين خاضوا الحرب على السودان الشمالي من قديم أو منذ أيام قرنق... ذات الرجال «عقار وعرمان والحلو» يستمرون في قيادة الحركة القديمة حتى بعد أن انفصل الجنوب... الحركة الشعبية لتحرير السودان أي تحرير السودان الشمالي المستعمَر «بفتح الميم الثانية» حتى بعد أن خرج منه الجنوب!! هل يحتاج ذلك إلى درس عصر؟! هل نحتاج إلى أن نشرح وعرمان يعلن على رؤوس الأشهاد أنهم سيقيمون مشروع السودان الجديد في الشمال ويعلن أن النيل الأزرق التي كان عقار يحكمها وجنوب كردفان التي كانوا يعملون على الاستيلاء عليها ودارفور التي أنشأوا مع متمرديها عبد الواحد ومني أركو مناوي وخليل إبراهيم تحالف كاودا.. أن الولايات الثلاث ستكون هي النواة بل هي المنطلق لتحرير الخرطوم؟! ألم يقل باقان إن مشروع السودان الجديد المنوط به إخضاع الشمال للجنوب قائم سواء من خلال الوحدة «الخطة أ» أو من خلال الانفصال «الخطة ب»؟! أين نحن الآن؟! بالله عليكم ألا يستوجب ذلك أن نقوم الليل ونصوم النهار حمداً وشكراً لله على نعمه الكبرى؟! ألا يتعيَّن على الرئيس البشير أن يقود صلوات الحمد والشكر في كل أرجاء السودان بعد أن تحرر من أوهام مشروع السودان الجديد وبعد أن رُفع الأذان في الكرمك وأُريقت الخمور وفرّ عقار كالفار المذعور بعد أن كان يمني نفسه باحتلال القصر الجمهوري؟! الآن وقد تبين أن الجهاد ولا شيء سواه هو الذي يحقِّق النصر وأن الانبطاح ولا شيء سواه هو الذي يسبِّب الهزيمة ويُلحق بنا الذل والصَّغار يجب أن نعلم بل نستيقن أن استكمال النصر يقتضي أن نواصل المعركة ونتحول من حالة الدفاع عن الوطن الأم وتحريره من رِجس الأعداء والعملاء إلى حالة الهجوم لا لكي نستعيد الجنوب ونضمه إلى الشمال بعد أن أراحنا الله منه وإنما للعمل على اقتلاع الحركة من حكم الجنوب والتي تعيش في راكوبة هي بالقطع أوهى من بيت العنكبوت فالجنوب يعيش في حالة غليان وتوتر وتمردات واقتتال قبلي وخلافات بين قياداته ولا ينبغي للحكومة أن تظن أنها ستعيش في وئام مع حكومة الحركة الشعبية التي رأت نماذج من سلوكها تحدَّث عنها الرئيس فهي لا تعرف غير الغدر والخيانة ويكفي زيارة سلفا كير الأخيرة والتي كان يُخفي من ورائها الكيد والتآمر فهلاّ دمّرنا الجحر الذي تقيم فيه الحية الرقطاء بمن فيه قبل أن تعود من جديد وتنفث سمها الزعاف في أرجاء وطن الجمهورية الثانية وهلاّ كبحنا بل وأنهينا القنابل الموقوتة والخلايا النائمة التي لا تزال تتربّص بنا الدوائر وتنتظر لحظة الصفر للانقضاض خاصة وأن جماعة أبو عيسى وأمثاله من بني علمان وحلفائهم لا يزالون يتحيَّنون الفرص لمواصلة مسيرة الكيد للنَّيل من هُوية هذه البلاد وتحويلها عن قبلتها الربانية.