أكثر ما يُثير حنقي ويعكِّر صفوي أن يصدر عن زعامات وقيادات سياسية ما تعلم يقيناً بل ما يوقن الناس كل الناس أنه ليس الحقيقة.. إنما هو مجرد حديث سياسة للاستهلاك المحلي وتجميل الوجه وإزالة الحرج ترسيخاً لمقولة: «السياسة لعبة قذرة».. (Dirty game)!! أقول هذا بين يدي ما قاله السيد محمد عثمان الميرغني لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية مما أبرزته صحافتنا المحلية بالمانشيتات العريضة فقد أرجع الميرغني قرار المشاركة في الحكومة إلى ما سمّاها: «اعتبارات المسؤولية الوطنية لمواجهة المخاطر والمهددات التي تواجه السودان» مضيفاً أن من تلك المخاطر: «مواجهة الاضطرابات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق»!! بالله عليكم هل أملى على الميرغني أن يشارك في الحكومة اعتبارات المسؤولية الوطنية لمواجهة المخاطر والمهدِّدات التي تواجه السودان أم المكاسب التي يهدِّد فقدانها المصالح والجيوب المتعطِّشة للمال؟! أي مخاطر تلك التي يتحدثون عنها وهم يجلسون الساعات الطوال والأشهر ذات العدد من أجل زيادة الحصة في كيكة السلطة والثروة؟! ثمة أمر آخر: أين تلك الغيرة الوطنية حين كانت الأخطار متعاظمة وحين كان عقار يجلس في منصب والي ولاية النيل الأزرق الشمالية ويهدِّد ويتوعَّد بأن المعركة القادمة ستكون في الخرطوم بل في القصر الجمهوري؟! أين كان ذلك الشعور بالمسؤولية الوطنية حين كان عبد العزيز الحلو يروِّع كادوقلي قبل أن يُردع ويتلقّى الهزيمة النكراء من قِبل القوات المسلحة؟! أين كان ذلك الحرص على مواجهة الأخطار التي تهدِّد البلاد حين كان باقان وعرمان يبرطعان في الخرطوم ويقودان المعارضة من داخل مجلس الوزراء والبرلمان على الحكومة التي كانا يشاركان فيها بالنصيب الأوفر والأكبر؟! الآن بعد أن تحررت الكرمك والنيل الأزرق وجنوب كردفان إلا من بعض الجيوب الصغيرة... الآن بعد أن خرج عقار والحلو وعرمان من السودان وأصبحوا لا يشكِّلون خطراً على البلاد... الآن بعد أن أصبحت حكومة الحركة الشعبية في جوبا تستغيث وهي تواجه ثوار جيش تحرير جنوب السودان... الآن بعد أن «بردت الفتة» يحلو التهامها كما يحلو الحديث عن التصدي للمسؤولية الوطنية ومواجهة المهدِّدات!! في تلك الأيام النحِسات عندما كان قرنق يشنُّ الحرب على همشكوريب عاصمة القرآن الكريم ويحتلها ويطفئ نيران القرآن بغطاء سياسي من الميرغني رئيس التجمُّع الوطني الديمقراطي وزعيم طائفة الختمية كان الشعار المرفوع من الميرغني آنئذٍ للرئيس البشير: «سلِّم تسلم» أما اليوم فما أحلى الفتّة الباردة!! بين قناة الجزيرة وتحالف كاودا العنصري قناة الجزيرة الفضائية.. لا يملك المرء إلا أن يثمِّن دورها العظيم في إشعال الثورات العربية ولا يساورني أدنى شك في أن العالم العربي ما كان سيكون بهذه الحال لو كانت «الجزيرة» غائبة عن الساحة الإعلامية وأستطيع أن أجزم أنها لعبت دوراً حاسماً في إلهاب الربيع العربي وإحداث التغيير الهائل الذي أوشك أن يعم بلاد العرب. دعونا نسأل: هل «الجزيرة» محايدة ولا تحكمها غير المهنية؟! لا وألف لا، وليس مطلوباً منها أن تصبح محايدة خاصة وأنه قد ثبت أنه لا يوجد إعلام محايد في عالمنا هذا ودونكم إعلام الغرب المفتون بشعارات المهنية فقد ركلت قنواتُه الفضائية وصحافتُه وإذاعاتُه ذلك الشعار وانحازت في معارك دولها بصورة سافرة. لقد ثبت أنه لا حياد في هذه الدنيا أما في إسلامنا فإنه لا حياد في معركة الحق والباطل والخير والشر وقد ذمّ القرآن الكريم الحياد السلبي «مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء» واعتبره شأن المنافقين الذين «إِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ». أقول هذا بين يدي مواقف قناة الجزيرة تجاه السودان وأزمة دارفور بعد أن شاهدت مقابلات أُجريت مع ممثل لحركة خليل إبراهيم الدارفورية ومع المتمرد مالك عقار وغيرهما بالرغم من أن دولة قطر صاحبة قناة الجزيرة هي الراعية لاتفاق الدوحة وأكبر الضامنين لنجاحه بعد أن تعهدت بتوفير الدعم المالي اللازم الذي يُعتبر أهم مطلوبات نجاح ذلك الاتفاق. أذكر أنني حرصتُ في آخر زيارة لي لدولة قطر قبل نحو عام على مقابلة مدير شبكة الجزيرة وقتها الأستاذ وضاح خنفر في حضور الأخ محمد حامد تبيدي حيث أطلعتُه على مخطَّط مشروع السودان الجديد وما تُضمره الحركة الشعبية للسودان وهُويته من خلال استعراض محاضرات ومقولات قرنق وابتدرتُ لقائي به بسؤال: «هل أنتم محايدون في قضية فلسطين؟! قال: لا ثم سألته: لماذا إذن أصبح عرمان ولد قرنق مذيعاً لديكم؟! أقول إن على الحكومة أن توضِّح للقيادة القطرية ما ينطوي عليه مشروع «الجبهة الثورية السودانية» بقيادة عرمان ممثلاً لحكومة جنوب السودان والحركة الشعبية وعضوية متمردي دارفور «خليل وعبد الواحد ومناوي» الذين يشكِّلون أكبر مهدِّد لاتفاق الدوحة الذي لا أشك لحظة في أن حكومة الشقيقة قطر توليه اهتماماً كبيراً فقد بذلت ولا تزال الكثير في سبيل إنجاحه وهي بالقطع تعتبره أحد إنجازاتها الباهرات على صعيد السياسة الدولية التي باتت قطر تناطح فيها الكبار وتصارعهم وتصرعهم. أرى أن تعجّل الحكومة بتوضيح الأمر إلى القيادة القطرية ووالله إني لأعتبر الموضوع مستحقاً لتدخل الرئيس شخصياً لتوضيح حقيقة أن تحالف كاودا العنصري أو الجبهة الثورية المزعومة الجديدة يشكِّلان خطراً على الأمن القومي القطري إذا استخدمنا التعبير المجازي باعتبار أن تهديد الإنجازات القطرية يعتبر تهديداً لأمن قطر القومي ولسمعتها ومكانتها الدولية وهل من تهديد أكبر من أن يتحالف عقار والحلو وعرمان مع خليل وعبد الواحد ومناوي في إطار مشروع السودان الجديد الذي لا يزال عرمان يهذي به ويهرف وهل من خطر أكبر من أن تضم الحركة ممثلة في رئيسها سلفا كير أن تضم دارفور إلى ما سمَّوه بالجنوب الجديد الذي يشمل جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وأبيي؟! طبعاً لا أظن الدبلوماسية السودانية تنسى علاوة على التنبيه لدور قناة الجزيرة التي لا ينبغي أن تُجهِض اتفاق الدوحة.. لا أظنها تنسى الطلب إلى قطر استخدام نفوذها ومكانتها الدولية لفرض اتفاق الدوحة على المجتمع الدولي.