الذي جرى بين ما يسمى قوات الدعم السريع ممثلة في جهاز الأمن الوطني والمخابرات من جهة، وزعيم حزب الأمة وإمام الأنصار رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي من جهة أخرى، فيما يتعلق بالبلاغ الجنائي المفتوح من جانب ا لجهة الأولى ضد الجهة الثانية خلال الأيام المنصرمة، وذلك حول التصريحات التي أدلى بها الأخير بشأن إفادات عن الاتهامات الموجهة لقوات الدعم السريع، بدعوى أنها ترتكب تجاوزات وانتهاكات أثناء ممارستها لمهامها المكلفة بها في التصدي للحركات المتمردة المناهضة للسلطة الحاكمة القائمة كما يجري في دارفور وغيرها من المناطق المتأزمة والفاقدة للاستقرار الأمني نتيجة لذلك مثل جبال النوبة في جنوب كردفان وجبال الأنقسنا في جنوب النيل الأزرق.. ألخ. هذا الذي جرى، وأدى لإخضاع السيد الصادق المهدي لتحقيق معه في البلاغ الجنائي المفتوح ضده في نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة والتي مثل أمامها يوم الخميس الماضي.. ورغم أنه ينطوي على أبعاد ذات مغزى ودلالة، وستظل مثارة من جانب أطراف وجهات مختلفة في مستوى النظر لذلك على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية.. إلاّ أن الدلالة ذات المغزى المحوري والجوهري والأساسي والرئيس، والذي يحظى بالأهمية البالغة والشديدة الوطأة في التأثير الثقيل كما أرى في الذي جرى على النحو المشار إليه، وذلك لدى النظر له في عمقه البعيد المدى، ستبقى هي تلك الدلالة المرتبطة والمتصلة بطبيعة العلاقة المؤثرة التي ظلت قائمة ومتجسدة بين الشعب وقواته المسلحة والقوات النظامية الأمنية والشرطية ذات الصلة في الماضي والحاضر والأفق المستقبلي المفتوح، وذلك على النحو التالي: أولاً: تشير هذه المسألة إلى تجديد الإثارة للمجادلة في الإشارة للدور السياسي للقوات المسلحة والقوات النظامية الأمنية والشرطية والأخرى ذات الصلة في سياق التجربة الخاصة بالسودان في هذا المجال، أو المعبرة بعبارة أخرى عن الأنموذج السوداني الساري والجاري في سياق هذا الاطار، منذ فترة النضال الوطني ضد الاستعمار الأجنبي البريطاني، والحكم التركي والمصري السابق.. وذلك إضافة لما جرى في هذا الصدد أو بخصوص هذه التجربة وأنموذجها السوداني أثناء المراحل والحقب المختلفة لأنظمة الحكم الوطنية التي تعاقبت في السيطرة على سدة مقاليد السلطة الحاكمة للسودان خلال الفترة اللاحقة للاستقلال من الاحتلال والاستعمار. ثانياً: كما هو معلوم فقد لعبت القوات النظامية المسلحة السودانية دوراً كبيراً ومؤثراً في النضال الوطني الذي أدى وأفضى للخروج من الاستعمار والحصول على الاستقلال من الاحتلال الأجنبي للسودان، وذلك على النحو الذي جرى في النصف الأول من القرن الميلادي العشرين الماضي. وعلى سبيل المثال فقد تم هذا في الانتفاضة المسلحة المجهضة التي تم القيام بها من قبل ما يسمى ثورة اللواء الأبيض في عشرينيات ذلك القرن، لكنها تعرضت للخذلان من جانب القوات العسكرية المصرية التي كانت عاملة بالسودان في تلك المرحلة، وكانت قد أعطت انطباعاً لثورة جمعية اللواء الأبيض السودانية المسلحة بأنها ستقف مساندة ومؤازرة ومعضدة لها ومشاركة معها في المواجهة مع القوات البريطانية المستعمرة والمحتلة لدولتي وادي نهر النيل في كل من السودان ومصر الشقيقة آنذاك.. بيد أن الذي حدث هو أن تلك القوات العسكرية المصرية التي كانت عاملة بالسودان قد تخاذلت وتلكأت ولم تف بوعدها عندما حانت لحظة الحقيقة، وجاء اختبارها، وحدثت تلك المواجهة المسلحة من قبل ثورة اللواء الأبيض السودانية في الانتفاضة العسكرية المناهضة للقوات البريطانية المستعمرة والمحتلة لدولتي وادي النيل في مصير ومسير مشترك آنذاك. ثالثاً: إن شاء الله سنواصل غداً الإشارة للتعبير عن هذه الوجهة التي ننطلق منها في النظر لطبيعة العلاقة بين الشعب وقواته المسلحة في السودان وانعكاسها على ما جرى مع السيد الصادق المهدي كما نرى.