بعد خطاب السيِّد رئيس الجمهورية وإعلانه بما يسمى بالوثبة ودعوته للحوار الوطني ودعوة السودانيين للتوافق والوفاق وإطلاق الحريات الصحفية برزت على السطح بعض التغيرات. المتابع للأحداث يجد أن في الوقت الذي يكاد فيه الحوار الوطني أن يستقر انكشفت كثير من قضايا الفساد بعدد من المؤسسات بعضها مرهون بأشخاص والبعض له علاقة بمؤسسات، وظهر ذلك في أوقات بالغة التعقيد وداس على الأنظمة العدلية للدولة من المحكمة الدستورية التي استقال رئيسها بسبب التحكيم في قضية الأقطان وماتلاها بأيام من استقالة رئيس القضاء لأسباب غير معلومة للعامة ثم ملابسات ما قيل عن وكيل العدل فما يجري شيء فاق التصور في سرعة تفشيه وتمدده الأمر الذي جعل برفيسور إبراهيم غندور مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر في سياق حديثه للإذاعة السودانية في برنامج (مؤتمر إذاعي) متناولاً قضايا الفساد التي تحدّثت عنها الصحف ووسائل الإعلام وعلى الشبكة العنكبوتية موضحاً أن الفساد موجود في كل العالم حتى الدول الكبرى التي وضعت ضوابط لذلك إلا أنها لم تستطع القضاء عليه تماماً ومتى ما توفرت أدلة الفساد فستجد أذناً صاغية ويداً باطشة قائلاً إن الذين يثيرون قضايا الفساد بهذه الصورة وفي حملة منظمة يقصدون لفت النظر عن الحوار وتمييعه مؤكداً أن الحكومة الحالية تعتبر أول حكومة في تاريخ السودان تطلب تقريراً من المراجع العام قدمه للمجلس الوطني مما يؤكد أن كل قضايا الفساد التي ظهرت كشفتها الدولة في حربها ضد الفساد، مراقبون يصفون حديث غندور باللا (منطق) مدللين حديثهم بأنه ليس بالمنطق أن (تقارنوا) كحكومة في مثل هذه المناطق الحساسة موضحين أن تقرير المراجع تم (إيداعه) قبة البرلمان منذ نوفمبر من العام الماضي ورغم خطورته وما ورد فيه من أدلة دامغة على الفساد توقف النواب عن مناقشته في الوقت الذي ينظر فيه الشعب السوداني الكشف عن المفسدين وتقديمهم للمحاكمة صمت النواب. المتابع لدور البرلمان يجد أنه يتحفظ عن القضايا الشائكة والخطيرة ويصرف النظر عن ملفات الفساد ما سمح فيها بالنشر وما حظر وهذا يدحض دوره في تمثيل صوت الشعب من أجل محاسبة الحكومة وأجسامها الوزارية مما يققلل من إمكانيته لاكتساح الانتخابات القادمة، وهذا يبرز ثمة تساؤلات على السطح عن مدى تأثير قضايا الفساد على نتائج الانتخابات، فالفساد يتم طرقه الآن في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة وغطت قضايا الفساد على اهتمامات واتجاهات الرأي العام وأصبح الحديث عن هذه القضايا هو حديث مجالس المدينة، فالسودانيون عادة إذا طرأت على السطح قضية ما يتم التركيز عليها فقط كما حدث الآن من أخبار عن الفساد والمفسدين حيث إنه لا يوجد تطبيق عملي على المفسدين سواء كان ذلك بالجزاء أو عمليات التحقيق أو ما يقنع بأن الحكومة جادة على إغلاق ملف الفساد ذلك بحسب الخبير الإستراتيجي د. عبد الوهاب عثمان الذي أكد بروز فساد لم يكن متوقعاً في قمة دور الحكومة حيث أصبحت القيادات الإدارية في دائرة الاتهام، مبيناً أن الخطوات العملية التي تتخذها الدولة الآن غير واضحة ويجب على الحكومة أن تسعي بخطى حثيثة إلى إغلاق هذا الملف أو تثبت أن هذه العملية وراءها آخرين، مشيراً أن تجاهل الحكومة وعدم وجود ردود فعلية يزيد الطين (بلة). حديث د. عبد الوهاب يتوافق مع تواتر المعلومات التي تشير إلى وجود فساد في بعض أجهزة الحزب الحاكم والتدفقات الكثيفة لأخبار الفساد والمفسدين وأن الحكومة مازالت تغض الطرف ووتتثاقل خطاها تجاه ما يحدث إلا من تصريحات قليلة لا تتعدى محاولات ذر الرماد على العيون وما ترفعه من شعارات لا يتم تطبيقه على أرض الواقع، هذا ما دعا الخبير الإستراتيجي يقول لا بد للحكومة أن تتصدى بالرد الفعلي فأما أن تثبت وأما أن تنفي لأن الفساد كالسوسة إذا استشرى في جسم الحكومة سوف يكون وبالاً عليها خاصة أن المجتمع يعاني من ضائقة اقتصادية وخلل في الإدارة الاقتصادية وبذخ للمال العام وما ينشر من قضايا فساد تجعل المواطن يستدرك أن أموال الدولة تؤخذ من غير وجه حق مما يؤثر ذلك على حظوظ الحزب الحاكم ونصيبه من الانتخابات وينعكس ذلك في سعى الأحزاب المعارضة على انتقادات الحكومة ووصفها بأنها الدولة الفاسدة وأن هنالك مجموعة من المفسدين يأخذون مال الشعب وهم المفسدون في الدولة لذلك لا بد للدولة من حسم هذا الأمر مبيناً أنه إذا استمر ذلك ولم تستطع الدولة وضع خطوات عملية أو إثبات أن هذا الحديث غير صحيح سوف يؤثر ذلك على الانتخابات قرار رئيس الجمهورية بالقضاء على أذرع الفساد ليس سهلاً على القيادة السياسية في بلاد التصق فيها الفساد بجسم الحكومة وأصبح بمثابة أورام خبيثة انتشرت في كل أجزاء الجسد الحكومي فهي الآن تعاني من هذه الأورام ومع ذلك تبدو آملة في حياة جديدة معافاة وما تفعله الآن خطوة من أجل تبييض وجهها وتحسين صورتها للدخول في المعترك الانتخابي.