في أحد البلدان الإفريقية وعندما كنت استقل عربة تاكسي، كان السائق طيلة الوقت مشغولاً بالعداد. ولم أدر سبباً ظاهراً، فأنا عندما أصل إلى وجهتي سأدفع له المبلغ الموضح على العداد وربما نفحته بقشيشاً إن كان من أولئك السائقين الصامتين الذين لا يوجهون لك مليون سؤال قبل أن تصل إلى مكانك. توقفت أمام أحد الفنادق فإذا بسائق التاكسي يقول لي مكتوب على العداد «20» قرشاً يعني تدفع جنيه وتاخد «20» قرشاً. وهذا أول عداد في تاريخ العالم يشتغل بإرجاع الفكة.. ونفترض أنني لا أملك ورقة من الخمسين قرشاً. هذا العداد لا يقبل مثل هذه المساخر فهو مبرمج لكي يرجع لك فكة جنيه فكيف تطالبه بإرجاع فكة خمسين قرشاً؟ هذه الواقعة جعلتني أعتقد أن أولئك القوم هم أساطين الفهلوة. إن بنجامين فرانكلين مكتشف الكهرباء مات فقيراً معدماً، ولكن الشخص الذي اخترع العداد هو الذي فاز بكل شيء.. فما بالك بهذا الشخص الذي اخترع عداد يعمل بالفكة؟ إذن فهؤلاء القوم لا يشق لهم غبار في الفهلوة والسلبطة.. هذا كان اعتقادي إلى أن قرأت في كتاب فقيد الصحافة الراحل عبد الله رجب غفر الله له.. وهو يتحدث عن العمل التجاري وذلك في مذكرات أغبش.. وكيف أن أحدهم قد أرشده إلى طريقة للحصول على رأسمال بمجرد الثقة. يقول الأستاذ عبد الله رجب: «ومنه سماعاً عرفت طريقة إيجاد رأسمال بمجرد الثقة.. شراء صابون بالدين بميعاد ثلاثة شهور وبيعه بالنقد بأقل من سعر السوق، وتوظيف النقد في شراء صمغ وتخزينه في انتظار ارتفاع السعر ورهن المخزون بالبنك، واستعمال الدين النقدي في سداد دين الصابون». هذا الذي يحكي عنه عبد الله رجب قبل «50» عاماً وبما أنه لكل زمان فرسانه ولكل صابون حماماته، ولكل صمغ هشابه، فالمسألة الآن قد تطورت إلى تكنولوجيا غاية في التعامل المتعدد الحلقات المتعدد الجنسيات، في توضيب مثل هذه الصفقات.. إلا أن ذلك في نظري يسحب البساط من فهلوة أصحاب العداد الذي ذكرته.. فهم غاية في التخلف قياساً بهؤلاء. وتحسرت جداً إذ أنه فاتت على فطنتي مثل هذه الخطوات المباركة التي ذكرها العم عبد الله رجب.. ولو كنت أعرف أن هناك طريقة للحصول على رأسمال عن طريق الثقة.. لولجت باب تلك الثقة ودخلت عالم تلك الحلقات كأشطر فهلوي عرفه سوق الله أكبر.. فكل ما ذكره الكاتب في تلك الحلقة أستطيع أن أقوم به فقط مع تغيير بسيط في المحتويات لأن السلع المذكورة ليست مطلوبة اليوم.. فمن يقبل بتخزين الصمغ ومن يقبل رهنه؟ فربما ساح ذلك الصمغ والتصق بالمخزن.. ولكن المهم في الموضوع أنني قد استوعبت الفكرة جيداً. أولاً: سأشتري عناقريب بالدين فهذه البشرية التي تقضي يومها كله جرياً وراء المواصلات.. لا بد أن تحتاج إلى عناقريب لتستريح عليها، الجميع يحتاجون إلى إراحة أرجلهم وأجسادهم.. ثم إن المثل يقول: «إذا كثرت الهموم إدمدم ونوم»، فهم إذن في حاجة إلى نوم طويل عميق.. أعمق من بحر أزرق، وقد أثبتت دراسة الجدوى الاقتصادية التي قمت بها ذلك. ثم أقوم ببيع العناقريب بسعر التكلفة.. وأشتري بثمنها مساويك أقوم بتخزينها.. لأني أعلم أن المعجون المطروح في الأسواق لا بد أن ينفد.. ولا بد أن يتجه الناس إلى الرجوع للمسواك.. وبما أن البنك لن يقبل رهن المساويك لأنه يعتبرها حطباً.. والحطب عرضة للسوسة.. بينما أصر أنا من ناحيتي أن المساويك تدخل ضمن المواد الطبية ومستحضرات التجميل.. ولكن ماذا تقول في عقلية ناس البنك المتخشبة هذه. على أية حال أبيع المساويك بالبوصة.. مسواك 5 بوصة ومسواك 10 بوصة.. ومسواك 3 لينيا ومسواك 6 لينيا.. ومسواك مبرشم ومسواك قلووظ أو برمة.. المهم سأتلخص من تلك المساويك وأشتري بثمنها .. «قنقليس».. فلا بد أن البشرية التي تتعب من الجري.. وتنام على العناقريب وتستعمل المسواك البرمة لا بد أن تصاب بوجع بطن، وسيحتاجون حتماً للقنقليس.. والذي سأقوم بتخزينه.. ولكن البنك أيضاً سيرفض رهن القنقليس بحجة أن القنقليس يدخل ضمن الخردوات، والبنك لا يمكن أن يعطي قرضاً مقابل خردوات.. مثل القنقليس... ولكن القنقليس يوقف الإسهالات فيجب أن يعامل معاملة الانتروسيديف والانتروفيوفورم.. أو على أسوأ الفروض الكولين. ولكن طالما إن ذلك رأي البنك وهو الجهة التي ستمنح القرض سأبيع القنقليس وأشتري بثمنه.. خيشاً أقوم بتخزينه.. وأتقدم للبنك للحصول على قرض مالي بضمان الخيش.. وطبعاً الخيش مهم جداً للحصاد إذا لا يمكن أن يجمع المزارع حصاده في طرف جلابيته مهما كان حجمها. ماذا كنت أقول؟ لقد ضاع علي الخيط وسط ذلك الخيش.. ما هي القصة من البداية؟ نعم كنت أقول إنني سأشتري عناقريب بالدين.. ثم أخزن العناقريب.. لا أبداً... كيف أخزن العناقريب، وماذا أفعل مع السوسة في المخازن؟ القصة ليست كذلك.. وبعد شراء العناقريب ماذا سأفعل؟ نعم تذكرت سأشتري مساويك بعد بيع العناقريب. ولكن ماذا أخزن؟.. أيوه.. أقوم بتخزين العناقريب يا أخ عناقريب بتاعة شنو؟.. نحن الآن في المساويك 5 بوصة و 10 بوصة.. طيب قول نخزن القنقليس.. يا خوى دي حكاية «تسغرب» المخ... أنا ما بقدر عليها.. وإنتو يا ناس السوق.. مبروك عليكم الصمغ والصابون وكل الخردوات .