منذ عهود مضت والحرب بين المجموعات الأثنية والوحدات القبلية من أبرز ملامح الحياة البدوية، تقع الحرب ويسعى البعض لحلها وفق آليات فض النزاع التقليدي المعروفة بدارفور عموماً وجنوب دارفور على وجه التحديد، ولم تكن هناك غرابة في الحروب التي تقع بين القبائل ولكن الغريب أن الحل للمشكلة دائماً ما يكون قبل وقوع الخسائر ويعرض على الأطراف المتقاتلة وتختلف فيه وترفض بوصفه أداة ظلم كارثية، وترفضه معظم أطراف الصراع أو أغلبها حتى إذا تطور الأمر ووقعت الحرب بين القبائل وجارت الحرب وتعمّقت وعمت إفرازاتها نجد أن المجموعات المقتتلة هذه تعود إلى صوابها وتدرك ما فعلته بهم الحرب في لحظة طيش وحماقة عمياء، ويكتشفوا الحقائق المرة التي كان مهما بلغت درجات الظلم بهم أفضل بكثير من إفراز الحرب والقتل والدمار. ولعل نموذج بني هلبا وأهلهم القمر كان واحداً من تلك النماذج العديدة التي دارت في ولايات دارفور، لم تنقص حياتهم حاجة من الحاجات الملحة، ولم يكن هناك مبرر لإزهاق الأرواح، والخسائر المادية وإشعال الأرض وحرقها، وخلق البغض والكراهية خاصة الأوضاع كما هي عليه كانت معروفة ومعلومة منذ قديم الزمان، والعلاقات بين الناس قائمة بما يرضي الله ورسوله، يسودها الوئام والأمن والاستقرار ولكن قام الشيطان أبو حجل فجأة واستيقظ، و لعب بعقول الناس كما لعب بعقول الكثير غيرهم، وتنادت معه شياطين الجن والإنس، وقامت الحرب، لأن الناس بدلوا في نمط حياتهم ومعتقداتهم وعاداتهم، وبالأمس القريب ضحك عليهم الشيطان، ضحك حتى سمع صوته كل عاقل ازدرى الحرب ونبذ مبادئها، وقد كنت من بين الذين سمعوا ضحك الشيطان عندما رأيت القوم يتحاضنون ويتقالدون ويزرفون الدموع، تحت شعار الآية الكريمة «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر أنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم». وبإشراف حسبو محمد عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية ورعاية اللواء الركن آدم محمود جار النبي والي ولاية جنوب دارفور، تم توقيع الصلح بين قبيلتي بني هلبا وقمر في مارس عام «2014م»، ولكي نقف على حقيقة هذا الصلح كان لا بد من متابعة محتواه في هذه المادة. ديباجة تحت شعار الآية الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر أنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم» صدق الله العظيم. انعقد مؤتمر الصلح بين الأشقاء قبيلة بني هلبة وقبيلة القمر في ظل ظروف استثنائية تمر بها ولاية جنوب دارفور، حيث استشعرت القبيلتان المسؤولية التاريخية وقدرت القواسم الاجتماعية المشتركة وأواصر الدين والقربى والدم، وحفاظاً على ماضي المنطقة التي ظلت ملاذاً آمناً للمستجيرين الذين يجدون فيها الأمن والطمأنينة، المنطقة التي تميزت بنسيجها الاجتماعي الذي تصاهرت وتمازجت وتعايشت فيه الكثير من القبائل، حتى صارت كالجسد الواحد. بالأمس القريب نزغ الشيطان بين الأهل القمر وبني هلبا وأواقع فتنة راح ضحيتها نفر كريم من الطرفين ومن غيرهم من هم في المنطقة، إلا أن حكمة الرجال من الطرفين وقادة الإدارة الأهلية وقادة المجتمع من جنوب دارفور، وتجربة القبيلتين الطويلة في التعايش عصمتهم من اتساع دائرة الفتنة وقادتهم إلى عقد هذا المؤتمر. إن أطراف المؤتمر تتقدم بوافر الشكر والتقدير والعرفان للأخ الكريم الدكتور حسبو محمد عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية وابن الولاية لمجهوداته الكبيرة ودعمه غير المحدود وصبره ومثابرته ومتابعته اللصيقة للمؤتمر والشكر يمتد لحكومة ولاية جنوب دارفور وقائدها الهمام اللواء الركن آدم محمود جار النبي والي الولاية على حسن إدارته لهذه الأزمة منذ نشوبها وحتى تحقيق السلام المستدام والشكر موصول أيضاً لكل من ساهم في إنجاح هذا المؤتمر من لجان إدارية وهيئة سكرتارية وعاملين وسائقين ورجال الشرطة والتأمين، أما الشكر كله للأجاويد حكماء جنوب دارفور فإنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فصبروا وثابروا طيلة سبعة أشهر لم يكلوا ولم يملوا، وشكراً جزيلاً أيضاً للأخ المعتمد يعقوب مرسال تقل معتمد عد الفرسان والمعتمد عبد الله يس محمد معتمد كتيلا والمعتمد محجوب عبد الرحمن محمد معتمد محلية كبم، ووزارة الرعاية والضمان الاجتماعي لتوفير المناخ والموقع المناسب للعمل، أما الأستاذ الهادي حامد بيتو معتمد الرئاسة ورئيس المؤتمر فإنه من وراء نجاح هذا المؤتمر فله كل الشكر. أولاً المرجعيات 1/ استناداً إلى قرار تشكيل لجنة الأجاويد واختصاصاتها بتاريخ 19/8/2013م 2/ استناداً إلى موجهات حكومة ولاية جنوب دارفور بتاريخ 20/4/2013م بالنمرة و ج د/م/1/أ12 ثانياً: اختصاصات لجنة الأجاويد 1/ معالجة الأحداث بين القبيلتين. 2/ تحديد حجم الديات والخسائر وحصرها. 3/ الاستماع لأي طرف متضرر من جَراء الصراع. 4/ الوصول إلى تسوية نهائية للصراع المشار إليه. 5/ يعقد مؤتمر الصلح في نيالا يوم 25/8/2013م. { ثالثاً: بعد الجلوس مع أطراف النزاع والاطلاع على المستندات والوثائق خلصت اللجنة إلى أن أسباب النزاع تتلخص في الآتي: 1/ اعتراض بني هلبة على نشر أرانيك خلو نزاع الأراضي الزراعية بمنطقة جقمة تم تقنينها بمحلية كتيلا ونشرها في سوق دليب وموارد المياه والآبار. وتقدموا بشكوى لمحلية عد الفرسان والأجهزة الأمنية والأهلية ولكنها لم تجد أذناً صاغية. 2/ يدعي القمر أن منطقة جقمة تتبع لمحلية كتيلا ويجب أن تمارس المحلية أنشطتها الإدارية والتنفيذية بالمنطقة. رابعاً قرر الأجاويد 1/ إن القضايا التي تتعلق بالأرض والحواكير والتبعية الإدارية والحدود والإدارة الأهلية كلها شأن الدولة ولا علاقة لها بالمصالحات والجوديات. 2/ يتم جبر الضرر للمتضررين من «التاما والفور» جَراء الصراع ضمن التسوية الشاملة في المؤتمر. 3/ استرداد مبلغ 120.000 مائة وعشرين ألف جنيه لقبيلة القمر من دية القتلى الأربعة للبني هلبة في منطقة أم دلال، وفقاً للأعراف السائدة والمتفق عليها بين القبيلتين في الديات. خامساً:وثيقة الصلح استجابة لواجب الدين والوطن وتقديراً للظرف الاستثنائي الذي تمر به ولاية جنوب دارفور والاستهداف للوطن الكبير في أمنه ووحدته وسلامته وترحيباً من القبيلتين لسعادة اللواء آدم محمود جار النبي والياً لجنوب دارفور، عليه تؤكد القبيلتان: 1/ نبذ العنف والاقتتال ووقف جميع العدائيات بكل أشكالها والنأي عن أي أسباب تؤدي إلى الصراعات، والعمل بكل صدق وأمانة وتفانٍ في تحقيق السلام الاجتماعي والتعايش السلمي بين الأهل القمر وبني هلبة ومن هم في المنطقة جميعاً. 2/ الحفاظ على وحدة الصف ولم الشمل بتقوية الصِلاة بين المجموعات السكانية والقبائل وتشجيع الإخاء والصداقة بين الأفراد والجماعات. 3/ الالتزام على ألا تتعدى قبيلة على غيرها في النفس أو المال أو الولد مع إعلان محاربة الجريمة بكل أنواعها والعمل بصدق على كشف مرتكبيها وتقديمهم للعدالة أفرادًا وجماعات. 4/ تأكيد احترام العادات والتقاليد وكل المواثيق المتعارف عليها وخاصة ميثاق الشرف للسلام والتعايش الذي وقّعته قبائل جنوب دارفور أمام رئيس الجمهورية في ديسمبر 2010. 5/ العمل في هذه المنطقة جميعاً على إذكاء قيم العدل وروح الإخاء والمساواة والتراحم بين كل المجموعات السكانية والحفاظ على العلاقات الاجتماعية وصلات القربى والرحم التي تشكلت على مر السنين وخلق الجو المعافى والأمن للجميع، وعليه: أ تعفو قبيلة بني هلبة عن أهلهم قبيلة القمر وكل قبائل المنطقة عفواً كاملاً. ب تعفو قبيلة القمر عن أهلهم في قبيلة بني هلبة وكل القبائل بالمنطقة عفواً كاملاً . ج تعفو قبيلة تاما وقبيلة الفور على أهلهم في قبيلة بني هلبة وقبيلة القمر عفواً كاملاً. د يترتب على هذا العفو والتسامح تطبيع الحياة في المنطقة وفتح الطرق والأسواق المشتركة وموارد المياه ومسارات الرحل. سادساً التوصيات أولاً: توصيات عامة: 1/ على حكومة الولاية تشكيل آلية لإنزال ميثاق الشرف للسلام والتعايش الموقع في ديسمبر 2010م أمام رئيس الجمهورية من الإدارة الأهلية وكل مكونات المجتمع وفعالياته المدنية والسياسية بولاية جنوب دارفور وذلك عبر خطة شاملة تغطي كل أرجاء الولاية. 2/ على حكومة الولاية تشكيل آلية لمتابعة تنفيذ بنود الصلح تضم في عضويتها الأجهزة العدلية والأمنية وممثلين لأطراف الصراع برئاسة شخصية دستورية. 3/ فيما يتعلق بأمر الحدود بين المحليات يوصي المؤتمر لحكومة الولاية تكوين لجنة فنية مختصة برسم الحدود بين محليتي عد الفرسان وكتيلا وفق أوامر التأسيس. { ثانياً: الجانب الخدمي: 1/ إن منطقة النزاع قد تأثرت في الخدمات وإتلاف المؤسسات والمرافق الخدمية العامة، فإن لجنة الأجاويد توصي لدى رئاسة الجمهورية وحكومة الولاية والسلطة الإقليمية لدارفور ممثلة في مفوضيات الإعمار والعودة الطوعية وصناديق تنمية دارفور، بإعادة إعمار المناطق التي تأثرت بالنزاع ودعم جهود الإعمار حتى تتحول إلى مناطق سلام مستدام وتعايش بين مكوناتها السكانية. 2/على حكومة الولاية والمحليات وضع خطة محكمة لتهيئة بيئة التعليم واستيعاب جميع الذين بلغوا سن التعليم والعمل على إزالة الأمية وفق برامج مدروسة وعلمية، وربما يتطلب الأمر إصدار قرار إلزامية ومجانية التعليم مع توفير كل المطلوبات حتى يلحق أبناؤنا ما فاتهم من علم ومعرفة. { ثالثاً: الجانب الأمني: 1/ بسط هيبة الدولة في المنطقة وتطبيق بنود هذا الصلح بقوة لضمان استمراره. 2/ تأمين مناطق الأحداث بقوة متحركة لحين تطبيع الحياة تماماً في المنطقة. 3/ تفعيل دور الإدارة الأهلية على كل مستوياتها، حتى تطلع بدورها بالأمن والاجتماع. 4/ الإبلاغ والقبض الفوري على أي شخص يعمل على زعزعة الأمن ويسعى لإثارة الفتنة. 5/ عدم إيواء أو مساعدة المجرمين والمتفلتين والتبليغ الفوري عنهم. 6/ محاربة الإشاعة الضارة ومحاسبة مروجيها. 7/ على سلطات المحليات الثلاث اتخاذ التدابير اللازمة لفتح الطرق ومناطق النزل وموارد المياه والأسواق المشتركة والمسارات. 8/ أي حادث يرتكب بعد هذا المؤتمر يعتبر حادثاً فردياً يعالج حسب حالته. 9/ على جهات الاختصاص بالمحليات الثلاث منع حمل السلاح في الأسواق وموارد المياه ومناطق التجمعات العامة. 10/ على الإدارة الأهلية والأفراد وقادة المجتمع فض كل الحشود والتجمعات لكل الأطراف في مناطق الأحداث. { رابعاً: الجانب الاجتماعي: 1/ على الإدارة الأهلية والأعيان وقادة المجتمع العمل على تجاوز المرارات واستشراف آفاق المستقبل والعمل على رتق النسيج الاجتماعي بين المكونات السكانية لمحليات كتيلا وعد الفرسان وكبم. 3/ نبذ الجهوية والعنصرية والقبلية وإشاعة روح الإخاء والمحبة بين الأفراد والجماعات وذلك بتبادل الزيارات وإحياء قيم التآخي وتحريك القيم الفاضلة في المجتمع. 3/ التمسك بالعرف في متابعة أثر السرقات وإبلاغ رجل الإدارة الأهلية المعني في المنطقة للمساعدة في رد المسروقات وقبض الجناة. 4/ إحياء سنة الفزع ين القبائل والمجموعات السكانية. ٭ قلادة الشرف تتقدم أطراف المؤتمر بخالص الشكر والتقدير لنفر كريم من أبناء هذا الوطن، شاركوا مع الإخوة الأجاويد بفاعلية وجهد كبير للوساطة بين أطراف النزاع فلهم الأجر عند الله العلي القدير وشكلوا مجموعات متميزة من المسهلين، وهم: أ مجموعة أمراء الدفاع الشعبي بالولاية. ب مجموعة الهيئة التشريعية القومية بقيادة الأخ عبد المنعم أمبدي. ج مجموعة قيادات القبائل بقيادة الشيخ موسى عبد الله حسن. د المجلس التشريعي لولاية جنوب دارفور. ه وجهاء كرام مواطنين بمدينة نيالا. و مجموعة أبناء القمر والبني هلبة نيالا. ز مجموعة الأخ الكريم إسحق محمدين. ٭ جمهورية السودان ولاية جنوب دارفور { وهذا نص الفقرة «2» الذي أشارت إليه المرجعيات بتاريخ وتحت النمرة الأخ الكريم رئيس وأعضاء لجنة الأجاويد/ مؤتمر الصلح بين قبيلتي بني هلبا والقمر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بالإشارة إلى خطابكم بتاريخ 19/4/2013 والخاص بأمر الحواكير والتبعية الإدارية أدناه موجهات لتسير عليها لجنة الأجاويد: 1/ ليست مسألة الحواكيز والتبعية الإدارية من اختصاص المؤتمر. 2/ يظل أمر الحواكير كما هو عليه تاريخياً وكما أكدتها الاتفاقيات في أبوجا واتفاقية الدوحة لسلام دارفور. 3/ حاكورة إدارة بني هلبة هي ضمن حواكير قبائل دارفور بحدودها المعلومة. 4/ عموديات القمر هي ضمن المكون لإدارة عموم البني هلبة وفق قانون الإدارة الأهلية. 5/ أي أمر جديد في هذا الشأن مكانه الحوار الدارفوري الدارفوري لاحقاً، وذلك وفق اتفاقيتي أبوجا والدوحة. توقيع عبد الكريم موسى عبد الكريم والي ولاية جنوب دارفور بالإنابة. واعتمد هذا الوفاق اللواء ركن آدم محمود جار النبي والي ولاية جنوب دارفور، كما وقّع على الصلح الأستاذ الهادي حامد بيتو معتمد شؤون الرئاسة ورئيس المؤتمر، وآدم عبد الرحمن البشاري رئيس وفد البني هلبا وعبد الرحمن عبد الله حمد الله رئيس وفد قبيلة القمر، ومحمد إسحاق يونس رئيس وفد التاما، الشرتاي محمد آدم رحال رئيس وفد قبيلة الفور، ويعقوب مرسال تقل معتمد محلية عد الفرسان،. وعبد الله يس محمد معتمد محلية كتيلا، ومحجوب عبد الرحمن محمد معتمد محلية كبم، والناظر محمد يعقوب رئيس مجلس الأجاويد.