مايو من العام 2009 م، في هذا التاريخ بالتحديد كانت لحظات ميلاد صفحة «قلوب رحيمة»، وكانت للزميلة هادية قاسم الشرف الباذخ في تحرير أول عدد منها، أتذكر تفاصيل كليماتها الرقيقة حتى الآن. وتوالت بذات النمط في تحرير مجموعة كبيرة من الأعداد التالية، وقد كانت هادية تعيش الحالات المأسوية في كل المراحل، تحس أنها مريضة في حالة المرض، وتحس أنها يتيمة في حالة عرض حالة الأيتام، وتطغى فرحتها على فرحة المحتاج في حالة انفراج الكربة، استطاعت أن تثبت نجاح الصفحة بعاطفتها الطاغية وعذوبة كلماتها في «خاطر الغلابة» , عملنا معاً فترة طويلة ودخلنا بيوتاً بها مآسي تفوق حد الخيال، ونحمد الله أن الخير ما زال في أمة محمد عليه الصلاة والسلام، حيث أن 90 % من الحالات المعروضة كانت وما زالت تجد الاستجابة، أما الفضل الأكبر في إنشاء هذه الصفحة فيعود للأستاذ عبد الماجد عبد الحميد وقد كان مدير التحرير حينها، كان يقف على الحالات بنفسه ويسجل الزيارات في البيوت والمستشفيات والسجون كان عبد الماجد يزرع في نفوسنا حب الخير ويغذي أرواحنا بحكايات عن السلف الصالح ومجاهداتهم في مد يد العون للمحتاج، فيستخرج القوة السالبة التي في قلوبنا من معاناة العمل ويستبدلها بقوة إيجابية تدفعنا لفعل الخيرات دفعاً. أشرفت على تحرير الصفحة الأستاذة هويدا حمزة التي تملك أسلوبا صحفيا متفرداً، كانت هويدا «تقلع» للمساكين حقوقهم من الجهات المسؤولة خصوصا الدور الحكومية، وكانت تعتبر أية جهة مسؤولة عن المواطن الذي يليه بالموضوع المعين مسؤولية تامة، فتتابعهم بكتاباتها الجادة حتى يجدوا حلا للمشكلة، وتخاطب فاعلي الخير والمحسنين بأسلوب رفيع يشوبه «أنَّة المجروح» واستطاعت أن تزرع الفرح في قلوب مئات الذين اعتقدوا أن الدنيا قد أغلقت في وجوههم أمل الحياة بمشكلاتهم هذه. ثم تولت الزميلة ندى الحاج مسؤولية الصفحة بكل شجاعة. كانت ندى تنسى تناول وجباتها، وهي تتنقل بين مقار المنظمات والمستشفيات باحثة عن حلول لحالات مستعصية، كان كل رهق المجهود يزول عندها فور قضاء حاجة أحدهم. ثم عدتُ للصفحة مرة أخرى قبل أكثر من ثلاثة أشهر من الآن تقريباً أحاول جهدي أن أسير على الخطى السابقة في زمن ازدادت فيه أعداد المحتاجين تماشياً مع الفقر الذي تعيشه البلاد وكثرت الأمراض أشكالاً تمر بي حالات تمس شغاف القلب وتجعل الدموع تعاند التواري وتظل محبوسة في الجفون تجسد المعاناة. فأنا لا أستطيع أن أنسى «أفراح» التي كانت لديها من الصبر ما يفوق عمرها أضعافاً، كانت مريضة بالقلب وأسرتها فقيرة لا تملك ثمن علاجها فلم تخبرهم، ذهبتُ معها للمستشفى عدة مرات، وذهبتُ إلى منزلها على أساس أني صديقتها، كانت دينمو المنزل البسيط أخبرتني والدتها ان أفراح تعاني من صداع وحمى متكررة لكنها لا تذهب للطبيب، كانت لا تدري أن ابنتها تخفي مرضاً عضالاً بقلبها الطيب، حتى جاء ذلك اليوم وتوقف القلب النابض بهدوء وماتت أفراح أثناء نومها ورحلت دون أن تحمل أسرتها هم علاجها. ولم أنس الطفل هاني كان مريضا بمستشفي «بن عوف» عمره حوالي الأربع سنوات ارتبطت به وجدانياً جداً وكنت اذهب له يومياً بعد الدوام كان مرحاً يحب الأحاجي , سريع البديهة يحكي لي كل يوم عن ليلته الماضية والطبيب المناوب والمقالب التي يقوم بها يوميا للممرضين عند قدوم مواعيد الدواء. كانت أيامي جميلة مع هاني حتي جاء ذلك اليوم الذي دخلت فيه العنبر ولم أجده ينتظرني بالباب كما كان يفعل كان راقداً في السرير وآثار المرض والاعياء تكسو ملامحه البريئة اقتربت منه وضعته في حجري، تبسم في وجهي رغم الألم كنت أتحدث معه حتى صمت حسبته نائماً إلا ان الممرضة اخبرتني بأنه فارق الحياة فعشت ألم فراقه زمنا طويلاً. من الحالات التي لا أنساها أبدا كذلك عائشة التي توفيت بمستشفى أم درمان وهي في طريقها للعملية بعد أن استعصى مبلغ إجرائها على أهلها شهوراً عديدة وبعد أن تكفل صديق الصفحة آنذاك دكتور كمال عبد القادر بالمبلغ توفيت قبل دخول غرفة العمليات، كما أن هنالك حالات عديدة أدخلت الفرحة في قلوبنا، فالطفل ابن عوف الذي يعاني من فشل النخاع وقد تابعت الزميلة ندى حالته بشغف، سافر مستشفيا بالقاهرة وعاد وهو معافى , والطفل أحمد الذي ولد بانسداد في المسالك البولية قد تعافى والأخ وليد محمود الذي عانى من آثار الحريق أعواماً من الله عليه بنعمة العافية، وعشرات حالات اليتامى تمت كفالتها ومئات المشاريع أقامها الخيرون , وأحمد الله أني «من زي ديل. ولو ما كنت سوداني وأهل الحارة ما أهلي كان وا أسفاي». الآن نحمل هم ايصال الأمانة لمن يستحقها، فالثقة التي أعطاها لنا المتبرعون تجعلنا نعيد التمحيص والتدقيق في زمن كثر فيه الاحتيال والخداع، فالحاجة قد أفرزت وجها آخر غير حميد في المجتمع نحاول جاهدين ونرجو أن يوفقنا الله في ذلك ونطلب السماح من الجميع في إخفاق غير مقصود او تقصير قد يحدث فكلنا بشر. ونتمنى دعوات الجميع ونحن نحتفي بمرور ست سنوات على إنشاء الصفحة، وأن يقضي الله كل الحوائج وأن يتقبل من جميع المحسنين، وأن يتقبل الله منا ويرزقنا أجر المناولة.