وحدة الوجود وهي عقيدة إلحادية مفادها أنه لا شيء موجود سوى الله وكل الوجود يمثل الله عز وجل؛ لا انفصال بين الخالق والمخلوق، والخالق هو المخلوق، وأن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى، ليس وجودها غيره، ولا شيء سواه البتة، وهي فكرة في أصلها ومنشئها هندية بوذية مجوسية وهي المبدأ الذي قام عليه مذهب ابن عربي الطائي صاحب كتاب «الفتوحات المكية» وغيرها الذي قال: «سبحان من خلق الأشياء وهو عينها». وابن عربي ليس هو ابن العربي، فالأخير وهو المعرّف بالألف واللام عالم مالكي مشهور من مؤلفاته أحكام القرآن الكريم، والقبس شرح الموطأ، والعواصم من القواصم وغيرها. فحقيقة عقيدة وحدة الوجود التي يعتقدها كثيرون من أتباع هذا الطائي وغيره أنه لا وجود لغير الله في العالم جملة وتفصيلاً. وعلى ذلك فالعقائد كلها حقٌ عند أصحاب عقيدة وحدة الوجود!! والناس لا خلاف بينهم حقيقة!! وكلهم على طريق سليم!! والديانات كلها ترجع إلى عقيدة واحدة!! ولم يخف بعض من يعتقدون هذه العقيدة شهادتهم لإبليس بأنه مؤمنٌ!! ومما يبين شيئاً مما يعتقده أصحاب وحدة والوجود قول ابن عربي: عقد الخلائق في الإله عقائداً *** وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه وقوله: العبد رب والرب عبد *** ياليت شعري من المكلف إن قلت عبد فذاك رب*** أو قلت رب فأنّى يكلف وقد جاء ذكر «وحدة الوجود» في أشعار وأقوال البرعي، فقد ذكر البرعي هذه العقيدة وأقرها ونشرها داعياً الناس إليها؛ فقد جاء في كتيب بعنوان «مختارات من المدائح» لعبد الرحيم البرعي.. من إصدارات المدد النبوي الثانية للمدائح!! في صفحة 22 وصفحة 23 ذكر أساس الطريق, وهو: استغفر الله الغفور الرحيم «100جرد أو 20سقط اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وسلم «100جرد أو 20سقط» لا إله إلا الله «100جرد أو 20سقط» يا الله يا الله «100جرد أو 20سقط» يا هو يا هو «100جرد أو 20سقط» ثم قال: ثم تغمض عينيك وتشير إلى السماء وتقول: «ها» «لا فاعل في الوجود إلا الله» ثم تشير نحو اليمين والشمال وتقول «هو» «لا حي في الوجود إلا الله» ثم تشير نحو الأرض وتقول«هي» «لا وجود لغير الذات المنزه عن التشبيهات». انتهى. وليس الكلام هنا عن هذه الأوراد التي ادعى أنها أساس الطريق، فإن الرد على ذلك له موضعه. وإنما الكلام على ما ذكره البرعي في هذه الجمل التي تتضمن عقيدة وحدة الوجود، ففي الجملة الأولى قال: يقول: «لا فاعل إلا الله» فنفى الفعل عما سوى الله وذلك يعني أن كل من فعل فهو الله مع نفي الفعل عن المخلوق وهو مبدأ وحدة الوجود. وفي الجملة الثانية قال: «لا حي في الوجود إلا الله» فنفى الحياة عما سوى الله!! وأنا أسأل من يقرأ كلماتي هذه : أأنت حي؟؟ومن تراهم من الخلق أحياء؟؟ فجوابك بالطبع نعم , ولكن هل أنت الله؟! وهل من تراهم من الخلق هم الله؟! وبالطبع ستجيب بلا، إلا أن البرعي يجيب بنعم لأنه كما نطق وحثّ أن يُردّد: «لاحي في الوجود إلا الله». وفي الجملة الثالثة قال: «لا وجود لغير الذات المنزه عن التشبيهات» وإذا اتضح لك ما تضمنته الجملتان السابقتان من القول بعقيدة «وحدة الوجود» فإنه لن يخفى عليك ما تضمنته هذه الجملة، حيث يرى البرعي أنه «لا وجود لغير الله»!! فأنت موجود وفلان موجود والجبل والشجر موجودان والماء والسهل موجودان، فكل الموجودين هم الله بمقتضى عقيدة أهل وحدة الوجود. وسعى البرعي في تقرير هذه العقيدة في ديوانه فقد قال في قصيدة بعنوان: «توحيد وتجريد» صفحة 98 في ديوانه في ذكر صفات المريد: بل لا يرى غير المهمين فاعلاً*** متبرئاً من قوة من حوله فالمريد لا يرى غير الله فاعلاً ,وهي نفسها معنى الجملة الأولى من الجمل الثلاث السابقة وهي قوله «لا فاعل إلا الله». وقد حشد البرعي ديوانه بمجموعة كبيرة من «المصطلحات الصوفية» التي يستخدمها أصحاب هذه العقيدة؛ ومعانيها أنه لا فرق بين الخالق والمخلوق والرب والعبد، ومن تلك المصطلحات: 1/ الجمع: ومصطلح «الجمع» عند المتصوفة يعني إشارة إلى «حق بلا خلق» أو «شهود الحق بلا خلق» وقيل: «اتصال لا يشاهد صاحبه إلا الحق جل شأنه فمتى شاهد غيره فما جمع» وقد ذكر البرعي مصطلح الجمع في قوله في قصيدة «ابن تميم»: شهدت بذاك الصالحون الأوليا ***من أُكرموا بالجمع والتكليم 2/ جمع الجمع: ومصطلح «جمع الجمع» عند المتصوفة هو : «الاستهلاك بالكلية في الله»: وقالوا: هو «شهود الخلق قائماً بالحق» وقيل «الاستهلاك بالكلية والفناء عما سوى الله» وهو المرتبة الأحدية. وفي جمع الجمع قال البرعي في قصيدة «أجل الفؤاد»: نالوا بجمع الجمع سر السر في ***غيب الفناء ووحدة التوحيد 3/ الحقيقة: ومن معاني «الحقيقة» عند الصوفية: ما بينوه أنها: «هي سلب آثار أوصافك عنك بأوصافه بأنه الفاعل بك فيك منك لا أنت» وقالوا: هي «ظهور ذات الحق من غير حجاب التعينات ومحو الكثرات الموهمة في نور الذات» وقد ذكر البرعي مصطلح «الحقيقة» بهذا المعنى وبغيره من المعاني في مواضع عديدة انظر ديوان «رياض الجنة» ص ص86 ,98 ,109 ,114 , 136 , 194 ,165 , 198. ولعل هذا القدر يكفي في بيان ما ورد عن البرعي في عقيدة «وحدة الوجود» وتزيينه لها، وحثه ودعوته لاعتقادها. وأما أهل السنة الذين يعتقدون ما في الكتاب والسنة ويسيرون على درب المهاجرين والأنصار ومن سار على دربهم فيعتقدون أن الله سبحانه وتعالى بائن من خلقه لا يشبهه شيء من مخلوقاته متصف بصفات الكمال له الأسماء الحسنى والصفات العلى « ليس كمثله شيء وهو السميع البصير». قال ابن تيمية رحمه الله: «ولهذا اتفق أئمة المسلمين على أن الخالق بائن عن مخلوقاته ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.. الرب رب والعبد عبد «إن كل من في السموات والأرض إلا أتي الرحمن عبدا* لقد أحصاهم وعدهم عدا* وكلهم آتيه يوم القيامة فردا». وقال في موضع آخر عن أقوال أصحاب وحدة الوجود والاتحاد: «وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى، وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبوحدة الوجود تارة، فإنه مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبّسون على من لم يفهمه. فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع كل مسلم ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى».