نشرت صحيفة «آخر لحظة» في عدد الأمس رسالة بعثت بها راكبة ضمن ركاب قطار حلفا الذي تعرض لانقلاب يوم الأربعاء الماضي بمنطقة «نمرة عشرة» بمدينة حلفا، وبالرغم من المصدر الواحد الذي اعتمدت عليه الصحيفة، لكن يبدو أن الرسالة صادقة واعتمدت على السرد الدقيق دون تهويل، فضلاً على أن الحدث مشهود بعدد من مواطني المنطقة والركاب الذين كان يحملهم القطار المنكوب، وتقول الرسالة إن القطار خرج عن مساره عند الساعة السابعة صباحاً مما تسبب في انقلابه في منطقة «نمرة عشرة»، وقالت الراكبة «عشنا دقائق عصيبة في مواجهة الموت ولكن قضاء الله جاء خفيفاً فلم تحدث وفيات بين الركاب ولكن أصيب العشرات وتبعثرت الأغراض الشخصية وتلفت البضائع وخرجنا مسرعين من القطار والجميع يحاول إنقاذ من يمكن إنقاذه، وافترشنا الرمال الساخنة ولفحت وجوهنا أشعة الشمس الحارقة ولا مغيث، إلى أن ظهر أبناء المنطقة من المناصير بسياراتهم يحملون الماء والطعام ويسعفون المصابين، ومرت الساعات بطيئة ونحن في انتظار مسؤول حكومي أو مندوب من شركة القطارات»، وتضيف «لم يفتقدنا ناظر المحطة أو مسعفون أو قوات شرطة أو مسؤول محلية أو معتمد أو والٍ، ومنذ الساعة السابعة صباحاً حتى السادسة مساءً، حيث وصل إلينا أول مسؤول بسيارتين «بوكس» ويحمل معه «جردل طحنية» وعدد من أكياس رغيف، وقدم لنا الكثير من الوعود وغادر سريعاً دون أن يحمل مصاباً أو يستأجر بصاً لنقل «37» راكباً فقط فيهم المصابون والجوعى والمرضى وكبار السن». تلك كانت أهم الملامح من الصورة القلمية التي رسمتها واحدة من ضمن ركاب القطار، ومن حق الجميع أن يتساءل مع الراكبة عن السبب في إحجام المسؤولين الكبار في الولاية وجهات الاختصاص عن زيارة وتفقد الركاب في محنتهم في تلك المنطقة الخلوية المرتفعة الحرارة، سيما أن فيهم مصابون ومرضى وكبار سن كما ذكرت صاحبة الرسالة. إذ أن الفترة من السابعة صباحاً وحتى السادسة مساءً بعد وقوع الحادث التي تقدر بإحدى عشرة ساعة كافية لوصول أي مسؤول للمنطقة بسيارة «بيجو مكوى» ناهيك عن «البرادو الفارهة»، كما أنه في مثل تلك الحوادث في معظم البلدان يسارع المسؤول للوصول إلى مواقع الأحداث بالطائرة المروحية، ففي مصر عقب كل حوادث القطارات يسارع وزير النقل لزيارة موقع الحادث بالإضافة إلى مدير السكة الحديد ومسؤولي الشرطة، وعادة ما يتم التحقيق في الحادث ومن ثم يُنظر في مدى الأضرار وتعويض المصابين أو ذوي الموتى في حالة الوفيات، وذلك إما بواسطة الحكومة في حالة إذا كانت وسيلة المواصلات تتبع لها، أو بواسطة شركات التأمين إذا كانت غير حكومية، وذلك دون المرور بلجان لا ترفع تقاريرها. وفي الصين عندما وقع حادث تصادم بين قطارين فائقي السرعة قررت الحكومة تعويض المصابين بمبلغ «134558.82» دولاراً أمريكياً لكل راكب، بينما أقالت الحكومة رئيس مكتب السكك الحديدية في شنغهاي ونائبه ومسؤول الحزب الشيوعي بالمكتب بالرغم من أن عمله سياسي بحت. أما في أمريكا عندما تصادم قطاران كان أحدهما ينقل نفطاً وتصاعدت أعمدة دخان كثيفة في سماء الولاية، لم تكتف السلطات فقط بإرسال سيارات الإطفاء والإسعاف، بل قامت بسرعة بعملية إجلاء واسعة للسكان المحيطين بالحادث «يعني ما شوية طحنية ورغيف»، أما في مصر عندما حدث تصادم بين قطارين في محافظة البحيرة قام المهندس محمد منصور وزير النقل والمواصلات آنذاك بمتابعة ميدانية للحادث الذي أصيب فيه «17» شخصاً، كما قام الوزير بزيارة المصابين بمستشفى دمنهور التعليمي العام. ومن جانبه قرر اللواء عادل لبيب محافظ البحيرة صرف تعويضات للمصابين في الحادث بواقع مبلغ ألف جنيه لكل مصاب. لكن وزير النقل لم يكتف بذلك، بل أعلن استقالته متحملاً المسؤولية التي تسبب فيها «محولجي» وتم قبول استقالته فوراً. ونحن من جانبنا لا نطلب من السيد وزير النقل أو مدير السكة الحديد الاستقالة، لكن نريد منهم فقط التحرك الميداني السريع عند وقوع الحوادث كما يفعل كل مسؤولي العالم. أخيراً نخشى أن تتحرك غريزة التبرير والنفي لدى أحد مسؤولينا، ويقول في تصريح إعلامي حول الحادث رداً على لوم الإعلام لعدد من المسؤولين لعدم الحضور لموقع الحادث بقوله: «الحادث بسيط ومجرد قلبة وبس»!!