قامت قوات داعش بالهجوم على الموصل ونينوى وصلاح الدين وتكريت، وسيطرت على تلك المدن سيطرة تامة بعد هروب قوات نوري المالكي التي تقدر وفق الخبراء بفرقة من قوات الجيش، هذا عدا قوات الشرطة والأمن البشمرقة وغيرهم. واندحرت كل تلك القوات أمام هجوم خاطف وسريع قامت به قوات داعش المكونة من أقل من «500» جندي وسط ذهول كثير من العسكريين والمراقبين، فأعلن المالكي وطلب التطوع من الشباب لدحر قوات داعش التي حتى مساء الجمعة «13/6» كانت تزحف من الجنوب تجاه بغداد وتهاجم الفاضلية جنوب عاصمة الرشيد، حتى المرجع الديني الشيعي الشيخ علي السيستاني دعا الشباب العراقي لحمل السلاح للتصدي لقوات داعش رغم هروب قوات المالكي التي أنفق على تدريبها وتسليحها المليارات بواسطة خبراء أمريكا، لكن جند المالكي صدق فيهم قول الشاعر: فأجفلوا كما جفلت بنو نمير على شط الفرات أمام هذه التداعيات على الأرض وانكسار جيش المالكي العقائدي الذي يحمل صفة قائده الأعلى، تقدم الرئيس أوباما أمس بخطاب أكد فيه عدم نية الولاياتالمتحدة التدخل عسكرياً ولكن سوف يترك الخيارات لرأي الخبراء، وأكد أوباما أنهم في العراق بذلوا وقدموا دماً ومالاً من أجل تدريب وتأهيل جيش العراق الذي كان يعد قبل المؤامرة على صدام وتدمير العراق من أكبر جيوش العرب والعالم الثالث تأهيلاً وتسليحاً وعقيدة قتالية واحترافاً، لكن اليوم أضحى جيش المالكي جيشا عقائدياً شيعياً بعد تسريح ودمارالجيش العراقي بعد غزو العراق. وفيما يبدو أن ظلال هذه الأزمة لها آثار وتداعيات إقليمية حتى إذا كانت هناك نية تدخل فيبدو أن واشنطن لا ترغب في النزول إلى أرض المعركة وبمشاركة إقليمية مع دول تأثرت وتتأثر بما يدور في العراق على سبيل المثال إيران. ويبدو أن واشنطن لا تريد أن تدخل وتشارك قتالياً على الأرض ولها تجربة قاسية ما زال المجتمع والشباب الأمريكي من عسكريين خدموا في العراق منذ عهد الحاكم العسكري «بريمر» يعانون من ويلات حرب العراق زائداً على هذا فاتورة المالكي المليارية التي أرهقت الخزانة الأمريكية، فالعراق حينها جعل واشنطن تنزف مالياً وبشرياً وسياسياً، وتلك التجربة يبدو أنها جعلت الرئيس أوباما يتردد أمام ما يحدث في العراق من تقدم لقوات داعش رغم أنه أي الرئيس الأمريكي قال إن الحرب السورية وصلت الى العراق وأن الحرب أو معركة سوريا لم تحتو إقليمياً، وأن أي تحرك أمريكي لن يتم إلا بموجب خطة سياسية، وفي هذه إشارة الى التوجه الذي قاده المالكي في العراق وهو السيطرة الطائفية وإقصاء الطوائف الأخرى، فلقد أضحى العراق بعد أن دمرته واشنطن وسلمته لمن ينفذون لها مشاريعها وكانت تظن أن العراق سوف يكون واحة للديمقراطية والاستقرار في المنطقة، لكن خاب فأل واشنطن وطاش سهمها فأضحى العراق يتنفس ويتحرك طائفياً وملياً ومذهبياً في كل شيء، وإشارة أوباما في خطابه أنه يجب أن تكون هناك خطة سياسية هي إشارة للسيد المالكي أن يراجع قراراته ومشروعه الطائفي المالكي الذي كرس فيه كل شيء للشيعة، وأضحت طهران ذات نفوذ سياسي وديني واضح في العراق، الأمر الذي أوغر صدور دول سنية مثل السعودية وبعض دول الخليج، وفيما يبدو أن هذا الوضع يتطلب تحركا إقليمياً من دول الإقليم مثل تركياوإيران التي سوف تتحرك قد يكون بسبب مشاعر طائفية. فداعش سنية وإيران لا تريد نفوذاً سنياً مؤثراً إلى جوارها من داعش أو غيرها، ولم تجد واشنطن ما تفعل سوى القول إنها سوف تقدم مساعدة فنية للمالكي دون التدخل العسكري رغم أن الأسطول الخامس الأمريكي القابع في مياه البحرين بدأ يتحرك في الخليج ربما هناك رسائل أراد أوباما إرسالها إلى الداخل الأمريكي وهو كثير الحديث عن أنه رئيس متردد، فلقد سبق وأن أكد ضرب سوريا أيام استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا وبعد أن بدأ يعد قواته إلا أنه أحجم بحكم تقاطعات المصالح في المشهد السوري، وبعض دول الإقليم تطالب واشنطن بالتدخل وواشنطن محجمة وكان ردها أنها سوف تقدم مساعدات فنية وعسكرية إضافية وفق وفاق سياسي، وربما تركيز واشنطن على قضية الدعم المشروط بالوفاق السياسي إرضاء لدول السعودية والخليج وضغط على المالكي من اجل التنازل عن المشروع المذهبي وإفساح المجال للسنة في العملية السياسية وتقليل النفوذ الإيراني في المشهد العراقي. وأمام بأس الأحداث لن يجد السيد المالكي غير التنازل ولو نسبياً خاصة وأن داعش اليوم تسيطر على مناطق ذات كثافة سنية أي تجد التعاطف والتأييد، ويبدو أن الانقسام في العراق أضحى عميقاً وقاسياً. فقوات المالكي تتقهقر تجاه بغداد والحرب ربما تأخذ طابعاً أهلياً مذهبياًَ، والسؤال: هل إذا تقدمت داعش وهي الآن جنوببغداد صوب بغداد، هل ستكون معركة العراق سنية شيعية إذا تدخلت إيران، وكذلك حزب الله اللبناني، هل ستقف تركيا والسعودية والأردن موقف المشاهد.. أو الدعم!! أم أن السيد المالكي يقدم مشروعاً يحوي الجميع؟! ثم السؤال ما هو الموقف الإيراني؟! سيما وأن إيران الآن تناقش قضية البرنامج النووي مع واشنطن، لكن يبدو أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تقدم داعش إن لم يكن قد تدخلت فعلاً الآن، فيبدو أن الوضع في حالة تآكل، فالمالكي حتى الأمس يطلق النداء للتطوع والذهاب إلى مركز التدريب بالتاجي وكذلك دعوة المرجع الشيعي. أخيراً نقول إن تجارب أمريكا كلها أدت إلى بوار، فها هي تجربة العراق تتداعى طائفياً ومذهبياً، وكذلك مشروع واشنطن في دولة جنوب السودان يتداعى قبلياًَ. فمتى تكف واشنطن يدها عن مصائر الشعوب؟