ذكرنا أمس أن الأستاذ علي عثمان محمد طه اختار الانحياز للرئيس البشير عندما انتهى المطاف في خاتمة الطواف عام 1999م إلى ما يسمى المفاصلة بين الأخير والزعيم التاريخي للحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة وملهمها ومرشدها حتى قيامها بالاستيلاء على سدة مقاليد الحكم والسلطة القائمة منذ عام 1989م بانقلاب ثوري مدني وعسكري أقدمت عليه في ذلك الحين. ووفقاً لما أفادني به صديقي العزيز الأخ الكريم والزميل النبيل الأستاذ خالد التجاني النور، في معرض التنوير بما جرى في تلك الحقبة الفاصلة والحاسمة التي لم أحضرها، لأنني كنت في المنفى الطوعي الذي اخترته لنفسي بالعاصمة المصرية القاهرة آنذاك، فقد كان الأستاذ علي عثمان يجيب على السؤال عن الجهة التي سيقف معها في ذلك الحين وبحكم موقعه القيادي كنائب أول لرئيس الجمهورية بقوله: إنه سيقف مع شيخه.. وكما يقول خالد التجاني بناء على ما جرى وعلى هذا النحو الذي أشار له فإنما يبقى مطروحاً حتى الآن هو من يا ترى كان الأستاذ علي عثمان يعني بقوله إنه سيقف مع شيخه، وهل يمكن أن يعني انحيازه للبشير على النحو الذي أقدم على القيام به إنه إنما كان يعني أن الأخير هو المعني من جانبه بهذا المعنى وبدعوى الحرص على حقن الدماء في تلك الفترة، وقد نجح في ذلك بالفعل وعلى النحو الذي يستحق التقدير في التحليل والتفكير في العبر المستخلصة والدروس المستفادة. وتجدر الاشارة في سياق ذات الإطار، وفيما يتعلق بما يجري في الوقت الحالي بشأن الحوار الوطني، والجدل حول المدني والعسكري، والدور السياسي للجيش في النموذج السوداني، إلى أن الرئيس البشير كان قد قال من جانبه في إجابة عن سؤال طرحه على نفسه وبناء على طلبه لذلك في حوار أجراه معه الأستاذ كمال حسن بخيت عندما تولى رئاسة تحرير صحيفة (الرأي العام) منذ عدة سنوات منصرمة، أنه يرى أن القرار الأفضل الذي اتخذه، وهو في منصبه الرئاسي الحالي، قد كان هو اختياره للأستاذ علي عثمان لتولي منصب النائب الأول له في القصر الجمهوري بعد أن رحل سلفه الشهيد الزبير محمد صالح الذي توفي في حادث طائرة كانت تقله ومعه عدد من الشهداء لدى سقوطها بمنطقة نهر السوباط في الناصر بأعالي النيل في جنوب السودان عام 1998م. ففي ذلك الحوار الصحفي أشار البشير إلى أن رحيل الشهيد الزبير كان فاجعة وخسارة فادحة جعلته يخشى من عواقبها وتبعاتها، ويحمل هماً كبيراً في القدرة على سد الثغرة الواسعة التي تركها شاغرة وهي شاسعة، لكنه شعر بالارتياح لما صادفه من توفيق في اختياره للأستاذ علي عثمان لتولي هذه المسؤولية الجسيمة، ولما أثبته الأخير من قدرة لافتة على سد تلك الثغرة بحكمة وفطنة مسعفة وفرت المساعدة اللازمة للتغلب على الصعوبة البالغة والتحديات الهائلة التي تم التعرض لها في تلك المرحلة وتجاوزها والخروج منها بمعالجات ناجحة وناجعة. ومن جانبه، وإضافة لما ظل يحرص عليها فيما يتعلق برؤيته للدور السياسي للجيش في النموذج السوداني، والجدل الدائر في الوقت الحالي حول المدني والعسكري في الحوار بشأن تقرير المصير الوطني، وذلك على النحو الذي ظهر بصورة كانت لافتة وبارزة عندما تولى زعامة المعارضة في الجمعية التأسيسية المنتخبة عام 1986م بعد الإطاحة بالنظام الشمولي للزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري بانتفاضة شعبية ظافرة دعمتها القوات المسلحة عام 1985م، حيث حرص في تلك الفترة على القيام بزيارات مؤازرة متعددة في الطواف على المواقع الأمامية للمواجهة الساخنة والمحتدمة التي كانت دائرة بين القوات المسلحة والقوى المتمردة المناهضة لها ممثلة في الحركة الشعبية آنذاك.. وهو الأمر الذي استمر في التعبير العملي عنه بانحيازه للبشير في المفاصلة المشار إليها عام 1999.. فقد أدلى الأستاذ علي عثمان أثناء الفترة الأخيرة اللاحقة لابتعاده أو إبعاده كما يرى البعض عن موقعه ومنصبه الرسمي كنائب أول لرئيس الجمهورية بإفادة كانت لافتة في الحوار الذي أجرته معه صحيفة «المستقلة» الصادرة بالخرطوم خلال الأيام القليلة المنصرمة.. حيث أعرب عن رؤية ذكر فيها أن هناك حاجة لمعالجة عميقة وناجعة للتحديات والعقبات التي يتعرض لها الحوار الوطني المطروح للمداولة الشاملة والمفتوحة والمقترحة ضمن ما يسمى الوثبة المزمعة من الحزب الحاكم والسيد رئيس الجمهورية ورئيس الحزب المشير عمر البشير.. ونواصل غداً إن شاء الله