بقدر ما كان عملية التجميل والنهضة العمرانية بمدينة بورتسودان مدخل للثناء والتعضديد للوالي د. محمد طاهر إيلا، لعلها كانت بذات القدر وربما قريبة من ذلك تعتبر آلية للنقد الموجه له بشدة باعتبار أن أطراف الولاية لم تحظَ بالاهتمام الكافي من الخدمات الرئيسة مثل مياه الشرب والكهرباء والطرق والمدارس المهيئة للدراسة، محافظ الإقليم الشرقي السابق تحدث من وجهة نظره حول جدلية التجميل والتنمية بالولاية في عهد إيلا عندما قال في حوار صحفي أجرته صحيفة الوطن يوم الثلاثاء الماضي: (زرت بورتسودان مؤخراً وفعلاً أصبحت مدينة جميلة ونظيفة ومضاءة والطرق مرصوفة وأصبح الكورنيش كله سياحي ولكن لدي مفهوم مختلف للتنمية واعتبر أن الذي حدث في بورتسودان تجميل للمدينة وليس تنمية) غير أن إيلا دافع في حوار تلفزيوني في العام 2011م في برنامج حتى تكتمل الصورة عن نهضته السياحية واهتمامه بها إلى حد أنه أقام لها مهرجانات سنوية وحين سأله مقدم البرنامج قائلاً الأسفلت أم الإنسان رد قائلاً: (قضايا الكورنيش والأسفلت جزء سابق لتنمية الإنسان وقال إن السياحة هي المصدر المستدام لأن الولاية ليست زراعية واعتبر أن تطوير السياحة مدخلاً لتوفير موارد للصرف على التنمية والإنسان وقال إن تجربة المهرجانات السياحية أتاحت عدداً من الوظائف وإنهم يتوقعون السياحة الخارجية إذا تم ربط الولاية برحلات خارجية بجانب النهوض بسودانير من الممكن أن تصبح السياحة في الولاية مورد لكل السودان، غير أن معارضيه ينتقدون اعتبار السياحة كمدخل وحيد للتنمية وجلب الموارد فالبنيات السياحية التي تجلب السياح الأجانب فضلاً عن صعوبة الترويج من الصعب أن تتحقق في وقت ينتظر فيه المواطنون حل مشكلاتهم الحيوية التي لا تقبل التأجيل مثل مياه الشرب والكهرباء والتعليم. رحلة علاج وإشاعات في العام 2011م سافر إيلا في رحلة للعلاج مستشفياً في المملكة العربية السعودية في رحلة دامت أكثر من شهر خاطب عدد من جماهير الولاية باستاد بورتسودان بعد أن ثرت موجة من الشائعات حول تمرده قائلاً: (أقول لمن يقولون إن ايلا تمرد إنني لست بالرجل الذي يذهب خفية ولست بالرجل الجبان، وأنا على استعداد لمواجهتهم أفراداً وجماعات)، وتساءل قائلاً: (كيف يهرب والي يملك مثل هذا الشعب؟) كما وعد الجماهير بإنفاذ برنامجه الانتخابي معلناً أن العام الحالي سيكون عام الريف الذي يهدف خلق التنمية المتكاملة باستغلال موارد الولاية الزراعية والمعدنية والصناعية متعهداً بمواصلة برامج الخدمات التي بدأت بالولاية مثل برامج الغذاء مقابل التعليم وتكملة المؤسسات الصحية بالولاية. بيد أن كل هذه الوعود بعد مرور حوالى ثماني سنوات ما زالت محل جدل وانتقاد كثير من مؤيديه. عواصف ومطبات ربما يكون محمد طاهر إيلا من أكثر الولاة تعرضاً للعواصف والمطبات التي واجهت فترة حكمه فالمعارضون له ليس فقط من الأحزاب المعارضة لكنها كانت من قلب حزبه المؤتمر الوطني والذين مهروا مذكرة قبل سنوات وقع عليها 300 من قيادات وأعضاء المؤتمر الوطني بالولاية، ووصلت الخلافات حد الاشتباك بالأيادي، ويطالب المعارضون بإجراء إصلاحات في الولاية وعزل الوالي، وسرعان ما تداعى التيار إلى منشقين من الحزب شمل شخصيات بارزة في الولاية بل حتى في الخرطوم، حيث اتهموا إيلا بالقبض السلطوي وعدم الركون للشورى وتعمد تهميش الرأي الآخر ومؤخراً شهدت مدينة بورتسودان، عدة احتجاجات متفرقة، بسبب قرار الوالي إيلا، بيع أربع مدارس تاريخية عريقة، في وسط مدينة بورتسودان عاصمة الولاية واستثمار أراضيها في مشروعات تجارية لصالح حكومة الولاية، غير أن الولاية تقول إن المدارس نقلت ولم تجفف لأسباب أمنية، وكانت الأنباء قد أشارت إلى أن مجموعة من المحتجين قد اعترضوا موكب الوالي إيلا وقطعوا عدداً من الطرق بالمدينة، في حين رد الوالي بتسيير موكب مؤيد له قيل إنه قد أطلق عليه موكب الردع. محاولات للترشيح وفي خضم العواصف والنقد الموجه للوالي محمد طاهر إيلا من خصومه والحديث المثار عن مذكرة قالت الأنباء إنها تهدف لسحب الثقة منه، بيد أن عدداً من مؤيديه في الحزب وبعض الزعامات القبلية تحدثوا عن محاولة جادة لترشيحه مرة ثالثة رغم أن الدستور حدد دورتين فقط للوالي في سدة الحكم لكنهم طالبوا حتى بتغيير الدستور وكان مجلس شورى الحزب قبل عام قد اجتمع ورشح إيلا لدورة ثالثة. بل أن مستشار والي البحر الأحمر آدم أدروب: اعتبر الوالي إيلا بأنه يأتي في المرتبة الثانية بعد الأمير عثمان دقنة في تاريخ الشرق. أحلام التغيير بيد أن الوالي إيلا وإن روج لمنجزاته كحائط صد للحملة ضده فهو قد راهن على الترويج لمشروعات مستقبلية لتطوير الولاية فقد قال في حوار مع الزميلة (التغيير) للأسف سنتان أو ثلاث لم نحصل من المالية ولا على جنيه واحد. والحمد لله المشروعات التي تنفذ هي في إطار ما تم الاتفاق عليه في الكويت من قروض ومنح، على رأسها المنح التي قدمتها حكومة الكويت مشكورة، ومن المشروعات الأساسية الآن لعام 2014م هو مشروع ربط مدن الولاية بالكهرباء القومية عبر مشروع كهرباء الشرق، الممول من صندوق الإنماء العربي الذي سيربط بين سنكات وسواكن وجبيت وهيا ودرديب وأركويت بالشبكة القومية، كما أشار إلى مشروع توفير المياه، فهل يقنع إيلا جماهير الولاية بأحلام التنمية والاتكاء على مواطني بورتسودان الذين طور مدينتهم إلى مصاف المدن الراقية؟ بينما يظل حصار الأطراف مستمراً بمطالبة المشروعات في التنمية ومياه الشرب والتعليم، وإلى حين ذلك ستظل جدلية التجميل والسياحة في مقابل التنمية التي راهن عليها إيلا ستكون حاضرة على الأقل حتى تحسم قضية بقاء مدة الوالي في الحكم بين فترتين كما يطالب الكثيرون أم ثالثة وفق رغبات متضاربة بين الطموحات الشخصية أو القناعات الحقيقية. أخيراً بالرغم من أن د. محمد طاهر إيلا قد نال دورات رفيعة في البحرية والموانئ بجانب تأهيله العالي في علم الاقتصاد فلا أحد يمكن أن يتكهن عن مدى قدرته على الإبحار بسفينة تسير وسط أمواج متلاطمة ولا يعرف لها ساحل قريب.