اكتسبت لعبة كرة القدم التي أدخلها الاستعمار البريطاني للسودان في مطلع القرن الماضي شعبية كبرى لسهولة ممارسة الناس لها في الأزقة والشوارع والحدائق والميادين وتكوينهم فيما بعد لفرق الروابط والأحياء والأندية التي التف الناس حولها وأحبوها وارتبطوا بها وصاروا يداومون على حضور مبارياتها بالاستادات لتشجيعها ومساندتها والاستمتاع بفنون وإبداعات لاعبيها بأسعار دخول بسيطة في استطاعة اي مواطن ان يدفع مهما كان مستوى دخله لأن اللعبة كانت تقوم على الهواية والولاء للاندية على مستوى اللاعبين والمدربين والاداريين ولا حتاج لمبالغ كبيرة لتسيير شئونها..! وقد تغير هذا الحال بعد دخول عهود الاحتراف والتسويق والرعاية في الاتحاد الدولي وبقية دول العالم حيث ارتفعت اسعار الدخول للمباريات لمواجهة تكاليف تسجيلات اللاعبين ومرتباتهم وإعدادهم وعلاجهم واصبحت الاندية الاوربية تطلب ثمناً لكل شيء ابتداء من زيارة الاستادات والتقاط الصور وإجراء المقابلات وبيع كل ما له علاقة بها ولذلك تم تشفير الدوريات الأوروبية ومباريات كأس العالم التي كانت متاحة لأكثر من مليار شخص لمشاهدتها والاستمتاع بها مجاناً كنوع من الخدمة التي تقدمها الفيفا لعشاق الكرة في مختلف انحاء العالم من منطلق دورها نحو الجماهير في إدارتها لجمهورية كرة القدم التي تعتبر اكبر وأغنى وأعظم منظمة غير حكومية..! وبعد عملية التشفير التي حرمت مئات الملايين من مشاهدة الدوريات الأوروبية ومباريات كأس العالم اجبرت شركات القنوات الرياضية الناس لشراء اجهزة الاستقبال وأصبحت مشاهدة مباريات كأس العالم قاصرة على أصحاب الدخول المرتفعة في السودان وكافة دول العالم الثالث لانه لم يعد في مقدور الأغلبية من المواطنين السودانيين الذين يقل دخلهم عن المليون جنيه ان يدفعوا ثلاثة ملايين ومائتي الف جنيه ثمناً لجهاز الرسيفر والاشتراك لمدة عام حتى كادت اللعبة الشعبية تتحول الى لعبة صفوية لولا ظهور اندية المشاهدة في الأحياء والصالات والأماكن العامة المحدودة العدد والتي لا تتيح الفرصة للملايين من عشاق الكرة لمشاهدة المونديال فضلاً عن عدم قدرة البعض لدفع تكلفة المشاهدة لمدة شهر كامل..! وفي ظل هذه الظروف التي حرمت الكثيرين من محبي كرة القدم من مشاهدة مباريات كأس العالم اصدر والي الخرطوم توجيهاً للسيد بلة يوسف وزير الشباب والرياضة الولائي لإقامة اكثر من 50 شاشة عملاقة في الحدائق والميادين والشواطئ بالمدن الثلاث كمرحلة أولى تصل الى مائة شاشة في الأيام القادمة وذلك لإتاحة الفرصة لاكبر عدد من الجماهير للاستمتاع بمباريات كأس العالم بالمجان وهو قرار يستحق عليه الوالي ووزيره الشاب الذي حول الفكرة والتوجيه الى واقع معاش الاشادة والثناء لأنه يشكل انحيازاً كاملاً للجماهير المتواضعة الدخول والتي ادرك الوالي بحسه السياسي والوطني مشاكلها ومعاناتها وعدم قدرتها على مشاهدة مباريات كأس العالم التي تعتبر هي وسيلتها الوحيدة للترفيه والمتعة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والمشاكل في مختلف مجالات الحياة ابتداء من غلاء الأسعار وسوء الخدمات الصحية ومشاكل المواصلات وارتفاع تكلفة التعليم وانقطاع الكهرباء والتي لا يمكن معالجتها بين يوم وليلة بل بمزيد من العمل الجاد والمتواصل لرفع المعاناة عن كاهل الجماهير خلال الأعوام القادمة..! لقد وجدت مبادرة إقامة الشاشات العملاقة بمختلف انحاء العاصمة صدى واسعاً في اوساط الجماهير التي عبرت عن شكرها وتقديرها للوالي والوزير على حرصهما واهتمامهما بتوفير فرصة مشاهدة مباريات كأس العالم في مختلف انحاء العاصمة بالمجان.. وبمناسبة مبادرة والي الخرطوم الرائعة لابد من الاشادة بقطب الهلال الكبير معتصم الحاتي وصاحب كازينو الأسكلا الذي اتاح للجماهير فرصة الاستمتاع بمباريات المونديال انطلاقاً من دوره ورسالته وإيمانه بأن الرياضي الحقيقي هو الذي يعطي بإخلاص وتجرد ولا ينتظر جزاء ولا شكوراً.. غداً نكتب عن إبداعات شعر وغناء الشايقية الذي تحول الى أنهار من الفن والابداع في حفل ترقية وشفاء المقدم شرطة محمد الفاتح بمزرعة قطب الهلال الكبير فيصل عبد الواحد بغرب ام درمان، كما نكتب عن حملة الشماتة ونصب المشانق لجمال الوالي في زلة لسانه عندما أراد أن يستشهد بآية قرآنية لم يدركها في لحظة غضب وانفعال..