يظن بعض المثقفين وبعض المتعاملين في المجال الإعلامي أو الدعوي أن وصف المرء بأنه سلفي فيه قدح وذم وتنقيص ليس من قدره فقط بل قدح في دينه.. وأوشك مصطلح «السلفيين» ولا أقول أصبح أن يكون علامة مسجلة تدل على التعصب والتشدد وضيق الأفق بل تذهب إلى أبعد من ذلك.. تذهب إلى التصنيف الذي يعجب أمريكا وأعداء الإسلام من داخل الدار وفي خارجها.. أي الرمي بتهمة الإرهاب والتطرف.. وأقول بصراحة شديدة إن كثيراً ممن ينتسبون إلى التيار السلفي العام في الساحة الفكرية والدعوية يقعون فرائس سائغة لهذه الهجمة الماكرة المدبرة بعناية ودقة.. ويظلمون مفهوم السلفية ظلماً فادحاً.. وحتى نتبين الخطأ الكبير والزلل الرهيب الذي يقع فيه هؤلاء الإخوة تعالوا ننظر في المفردة من حيث اللغة ومن حيث الاصطلاح.. وما استقر عليه الأمر في نهاية المطاف. قال في لسان العرب: السّلف والسلّيف والسُلفة الجماعة المتقدمون. وأورد قوله تعالى «وجعلناهم سلفًا ومثلاً للآخرين» والأمم السالفة الماضية.. قال عن الجوهري: سلف يسلُف سلفًا أي مضى.. وقال: وسلف الرجل: آباؤه المتقدمون، قال يحيى السلف على معان السلف القرض والسّلم، والسلف أيضاً كل عمل قدمه العبد، والسلف القوم المتقدمون في السير. قدمنا كل ذلك لنقف على معنى سلف في اللغة ثم ننتقل إلى المعنى الاصطلاحي. ويقول لتوضيح المصطلح الذي أستقر عليه العمل: وللسلف معنيان آخران أحدهما أن كل شيء قدمه العبد من عمل صالح أو ولو قرط يقدمه فهو له سلف وقد سلف له عمل صالح، قلت: ولا يقال سلف له عمل إلا إذا كان صالحاً وزاد ابن منظور قائلاً: والسلف أيضاً من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك الذين هم فوقك من السن والفضل وأورد قول طفيل الغنوي يرثي قومه: مضوا سلفا مضي السيول عليهم٭ وصرف المنايا بالرجال تقلب وقيل سلف الإنسان من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين السلف الصالح.. قلت ولكنها في الغالب الأعم تأتي شاملة لكل من سبقنا وتقدمنا من الصالحين الذين ساروا على المحجة البيضاء ولم يغيروا ولم يبدلوا ولا يقال لمن غير وبدل سلف أصلاً. فأصبحت النسبة إلى السلف الصالح سلفي وهي قاعدة منضبطة في النسب إلى الاسم المركب من كلمتين أنك تنسب إلى واحدة منهما وغالباً هي الأولى إذن فالنسبة إلى السلف مما يمتدح به ومما ينبغي أن يدّعيه كل مسلم يرجو أن ينتمي إلى الفرقة الناجية وهي أهل السنة والجماعة. إن الحملة الشعواء التي تشنها بعض الجهات المغرضة ضد السلفية ومحاولة ترويع المسلمين منها وجعل السلفية والصوفية ضدين لا يلتقيان وجعل بعض الذين ينتمون إلى قاعدة السلفية العريضة دعاة ضد السلفية وتحريض بعض أهل التصوف لإكمال الصورة حتى يظن المسلم العادي أن السلفية هي عبارة عن مافيا جديدة أو صورة إسلامية لعصابات الكوكي كلان. إن السلفية في جانبها الدعوي والفكري تمثل موقفًا واعيًا وذكيًا من المجتمع المعاصر في محاولة جادة للمشاركة في المجتمع دون التنكر للأصول الشرعية والأحكام الكلية التي لا يستطيع المسلم أن يخالفها وذلك في أمور الحكم والتشريع والمعاملات «وطبعاً قبل كل ذلك العبادات والعقائد» وفي العلاقات الداخلية والخارجية وفي شأن الجهاد والمدافعة ونشر الدعوة. إن السلفية تدخل في العقائد والعبادات والمعاملات والسياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية وفي السلوك الشخصي وفي الزي وفي كل تصرفات الأفراد.. إن السلفية تمثل اليوم إحياءً لمنهج النبوة وعصر الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان. إن السلفية في تعاملها مع الواقع تدرك المفهوم الفقهي العام «الحكم على الشيء فرع من تصوره» إن السلفية عندما تقف موقفاً أصولياً بين الديمقراطية أو المجالس التشريعية أو نظام المرابحة أو مشاركة المرأة في العمل العام أو الإعلام أو التصوف فإنها تدرك أنه لا يوجد قاعدة كلية مطلقة يمكن إنفاذها تلقائياً على كل واحدة من هذه الأمور أو غيرها وأن كل محتوى يحتاج إلى نظر خاص.. مع ملاحظة أن للأسماء في كثير من الأحيان دلالات تسبق المسميات.. لقد أقحمت قناة الجزيرة نفسها في مستنقع آسن عندما شنت بعلم أو بغير علم غارة على السلفية وأقحمت بعض الرموز وبعض الدعاة في أقوال لم يجتهد أصحابها في استيفاء الحقائق ولا الحقوق.. وركبوا موجة القناة الظافرة وركوب الموجة الظافرة بلاء وفتنة ظلت الإنسانية تعاني منه منذ آلاف السنين. إن الانتماء إلى السلفية واجب شرعي وتكليف رباني وعلامة فارقة في تحرير الالتزام الشرعي حتى إن المتكلم أو الكاتب ربما احتاج إلى تأكيدها وجعلها إطاراً عامًا يعصم من خلاله موفقه من بعض الفروع.. مثل الذي قال وهو يرد على ابن تيمية في موقفه من التعامل مع بعض شعائر الزيارة والحج فقال: «أنا سلفي ولكنني في هذه لست مع ابن تيمية». إن الحركة الإسلامية الأم والإخوان المسلمين وكثيرًا من عضوية المؤتمر الشعبي أنار الله بصائرهم.. وأنصار السنة المحمدية بشقيها والجماعات الإسلامية والجماعات السلفية وأهل التصوف وحزب التحرير والأحزاب التقليدية يجب أن تطمئن إلى أن الذي يجمعها هو الانتماء إلى التيار السلفي الذي يرتكز في بحبوحة العصر النبوي وعصر الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.. وإن القاعدة التي تحدد السلفية أو تنفيها هي قاعدة الاتباع وهذا الدين بُني على الاتباع ولم يبنَ على الابتداع. ومن هنا أعلن أنني وبهذا المفهوم سلفي وإن لم أنتمِ إلى إحدى الجماعات السلفية وأحب السلفيين عامة وأعلم أن الدخن وسطهم قليل. فأنا سلفي بيد أني أكره التفرق وأمقت التشرذم وأبغض الخلاف وأعتب على إخوتي السلفيين عدم أفراغهم الجهد في الدعوة إلى توحيد أهل القبلة وهو على أي حال أجدى وأنفع وأصوب من محاولات التقريب بين السنة والشيعة التي لا طائل تحتها ولا تفيد إن صدقت النيات إلاّ في إقامة الحجة على منهج الرفض وتحصين عامة المسلمين منه حمى الله البلاد والعباد من منعته ورجعته وعصمته وتقيته وسائر كفرياته.