الحدث أياً كان هو سلاح فتاك في تأثيره أما في الجانب السالب أو الإيجابي.. لذا يقول أهل العسكرية إن السلاح مجاري، بمعنى أن تكون جميع مفردات الكلمة منظومة قابعة في مجراها الطبيعي الذي يجب أن تنطلق منه. وللحديث دبلوماسية رفيعة.. وبالطبع لها هي الأخرى حديث ينسب اليها يعرف بالحديث الدبلوماسي. الكبار يتمتعون بهذه الحكمة في الحديث ويعرفون متى يوظفون أحاديثهم لتخدم غرضاً معيناً في وقت معين في مكان محدد. لكن ليس كل الكبار هم كبار بالفهم الذي نعرفه ونجيد فهمه.. فالكثيرون منهم صاروا صغاراً بل تأقزموا في نظر الكثيرين فصاروا أقزاماً في الفكرة وفي الحديث والرؤية حتى. حديث الكبار دائماً يكون ممزوجاً بالحكمة.. لذا يقول المثل وهو أكثر صدقاً... (الما عندو كبير يشتري ليه كبير) فقط ليقوده للتى هي أنفع. والكلمة كالرصاصة إذا خرجت لا يمكن إعادتها إلا بعد أن تصيب هدفها أياً كان. ولذا نرى أن الكلمة مربوطة في توجيهها بعقلية الفرد الصادرة منه هذه الكلمة.. فإما أن يكون خبيثاً يقصد من ورائها سوءاً وهذا يكون ذكاؤه مبرمجاً على الخبث وسوء النية، وأما أن يكون شخصاً (عياره فاكي) فهذا بالدارجي يسمونه درويش.. والذي لا نحبذ أن يكون سائداً بيننا يقولون لك أنه (زول الله). وليتنا جميعا نكون ناس الله... ما بعدها من عظمة.. لكن يطلقونها كنوع من السخرية والاستهتار بمعنى أن كلامه وحديثه هذا غير مؤاخذ عليه.. وتتوسط هاتين الحالتين حالة ما يعرف بحديث الدبلوماسية التي لا تجعل الآخرين في غضب لما تقول وإن كنت تقصد ما هو نقيض له تماماً. ٭ لست قلقاً لتصريح (الأخ) الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدى زيارته الأخيرة للسودان أمس الأول حين قال إن السودان جزء من مصر.. ومهما كانت درجة قسوتها وفظاعتها.. ولو أخذناها بفهم الدبلوماسية... ما علينا إلا أن نقول الله .. بارك الله فيك أخي السيسي وهكذا والله نحن ننظر لمصر كجزء أصيل من السودان، وهكذا مصر والسودان دولتان قويتان.. والآن يلاقي السودان احترام كل العالم لقوته وتماسكه، فماذا ينتقص حديث السيسي من السودان والسودانيين لو قال ما قاله وكان يعنيه.. الكلام بفلوس خليه يقول.. لكن في الواقع غير مسموح بتمرير حديثه وإن كان هزلاً. زيارة السيسي للسودان فيها معانٍ كبيرة، وهي تقدير للكبار وتقدير واحترام للاستقرار الذي يتمتع به السودان، والسيسي لم يأتِ للسودان طائعاً برغبته ولا بذلك الأمان الكبير الذي يملأ قلبه، بل جاء بأهداف وأجندة لا تخرج من تحقيق مصلحة معينة لبلده مصر.. أكثرها وروداً وتمثيلاً في ما يتعلق بقضية المياه ومشكلات السدود، وهذا توجيه ينفذه السيسي إذا كان من الداخل أو الخارج وليس رغبتة منه. يذكرني هذا النوع من الأحاديث بطرائف تؤكد مدى مقدرة الإنسان على تلافي كثير من عيوب الحديث نفسه، وتحضرني طرفة قالها لي الاستاذ زكريا حامد.. إن مواطناً سودانياً يعمل في احدى دول الخليج وظلم من صاحب العمل وأخذ حقه.. وعندما اشتد به الغيظ قال لكفيله بتلك الدولة (والله إنتو تأكلوا مال النبي) فرد عليه الكفيل بكل بساطة (ومالو النبي حبيبنا)... إذن لماذا لا نذهب على ذات نهج الحديث ونقول (ومالو هي مصر فين تروح مننا.. دى بلدنا الحبيبة ونحن بنحبها).. وهكذا صدقوني ستسير الحياة كما فهم الجري في مكان الوقوف. صدقوني السودان بلد قوي لن ينال منه أحد.. رغم ظروفه السيئة على كل الأصعدة.. لكنه بأي حال من الأحوال ينعم في كثيره بالأمن والأمان والاستقرار وهي اعظم النعم (الذي أطعمني من جوع وآمنني من خوف).. صحيح السوداني بطبعه لا يقبل الحقارة والمسخرة وقلة الأدب والتطاول.. لكن في ذات الوقت له عقلية كبيرة يمكن أن يساير بها كل من هو ليس على فهم ولا وعى ولا إدارك. دعوا الحديث يذهب كما نيتنا السلمية.. إنها زلة لسان.. بل دعونا نذهب لأبعد من ذلك أنها قيلت بحسن نية كبيرة كما هو مخطط لها أن تقال.. إن السودان ومصر أخوان وأحباء وجيران وأصحاب مصالح مشتركة. صدقوني يقولون ما يقولون والسودان لن يناله سوء بإذن الله.