ندى محمد أحمد: منذ أن أعلن حزب الأمة القومي أن رئيسه الصادق المهدي سيلقي خطاباً مهماً في ذكرى معركة بدر الكبرى وأبا الأولى، ارتفعت وتيرة الترقب لمعرفة ما الذي يود المهدي قوله عقب خروجه من السجن ونعته للحوار الذي ابتدرته رئاسة الجمهورية في يناير الفائت بالفجر الكاذب، ومن ثم سفره في رحلة امتدت بين مدريد وعمان ومصر. وعشية أمس الأول الثلاثاء.. وبمسجد الخليفة بأم درمان استهل المهدي حديثه في الشأن الداخلي بالهجوم على نظام الحكم الذي انقلب على الديمقراطية قبل ربع قرن من الزمان، ويقف الآن محاصراً بالأزمات، واتخذ نهجاً سياسياً بالتمكين الأحادي أخفق في إدارة التنوع، فانقسمت في عهده البلاد، وتواجه الآن عدداً من جبهات الاقتتال وفقاً له، ولم يغفل المهدي التذكير بالأزمة الاقتصادية، وإشارته المفضلة على ما يبدو، وهي أن النظام محاصر بأكثر من ستين قرار مجلس أمن، غالبيتها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة تصنفه مهدداً للأمن والسلام الدوليين، وتجعل قيادته ملاحقة جنائياً دولياً، وعرج على الحركات المسلحة التي وصفها بالمعارضة المسلحة، مشيراً إلى توحدها وامتداد نشاطها لخارج حدود السودان، وبطبيعة الحال توقف المهدي مطولاً عند قضية الحوار الوطني، منوهاً إلى حسن ظنهم به، ولكن النظام خذلهم بأفعاله وأقواله التي حصرت مقاصد الحوار في مشاركة الآخرين في مسيرته العاثرة و«ردفهم»، كما نكث عن إعلانه بنقل عملية السلام ليديرها من الجانب السوداني مجلس قومي للسلام، معلناً أن موقفهم حال صمم النظام على صرف النظر عما يحقق السلام الشامل والتحول الديمقراطي، هو العمل على توحيد كل القوى السياسية السودانية المدنية والمسلحة في جبهة واحدة ملتزمة بميثاق وطني واحد، والقيام بتعبئة داخلية وخارجية تتخذ كل الوسائل عدا العنف لإقامة النظام الجديد، عبر مشروع «ميثاق بناء الوطن: التنوع المتحد»، لتخليص البلاد من السقوط في الهاوية، وعاد المهدي ليدعو إلى ما أسماه ضبط عملية الحوار الوطني، عبر قانونين: قانون بناء الوفاق الوطني، وقانون بناء السلام. ويهدف قانون بناء الوفاق الوطني إلى تحقيق تحول ديمقراطي كامل، وديمقراطية تراعي التوازن المطلوب لاستيعاب التنوع. أما الوسائل التي تحقق ذلك الهدف فهي إدارة نقاش مجتمعي يساعد في إدارته إعلام قومي يشرف عليه مجلس قومي للإعلام وحوار وطني عبر منبر للحوار على أن يجري بين الأحزاب التاريخية الستة، والأحزاب الجديدة ذات الوزن، وأن لها نشاطاً سياسياً، على أن تدير حوار الأحزاب رئاسة محايدة، ومعلوم أن رئيس الجمهورية هو الذي يرأس الحوار الدائر في آلية «7+7» وعند بدء الحوار تلغى القوانين المقيدة للحريات وإتاحة حرية العمل السياسي والمدني والإعلامي، ويطلق سراح المعتقلين السياسيين والمحكومين في قضايا سياسية ورفع اليد عن الصحف والصحافيين الموقوفين، الملاحظ أن هذه الاشتراطات التي بذلها المهدي دفعت به إلى موقف تحالف قوى التجمع الوطني التي رفضت الجلوس لطاولة الحوار إلا عقب تنفيذ شروطها من قبيل وقف الحرب في المنطقتين ودارفور وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وتشكيل حكومة قومية، وفي إشارة لحادثة سجنه في شهر مايو الماضي طالب المهدي بتوفير حصانة لأطراف الحوار ضد أية إجراءات إدارية مضادة، ودعا أن يكون للمنظمات الإقليمية والأسرة الدولية حضور كمراقبين لعملية بناء الوفاق الوطني. أما قانون السلام، فالهدف منه تحقيق السلام العادل الشامل وفي المبادئ الموجهة للسلام يمثل الجانب السوداني في عملية السلام المجلس القومي للسلام ويكون من الأحزاب المعتمدة للحوار الوطني برئاسة محايدة للمجلس، أما الطرف الآخر في عملية السلام يمثل القوى المسلحة بأي شكل تختاره، أما النقطة الملفتة للنظر بشدة في قانون السلام تلك التي نصت على أن تشرف آلية الاتحاد الإفريقي العليا على عملية السلام، وهي التي تحدد زمان ومكان التفاوض وأن تكون للمنظمات الإقليمية وللأسرة الدولية حضور كمراقبين لعملية السلام، وبذلك يكون المهدي قد أدرج المجتمع الدولي كمراقب مرتين. الأولى في بناء الوفاق الوطني، والثانية في قانون السلام. أما اشتراطه بأن تحدد آلية الاتحاد الإفريقي مكان وزمان التفاوض فهو يفيد أن المهدي لا يمانع في أن يكون الحوار بالخارج، وهو احتمال ليس ببعيد متى أوكل الأمر لآلية الاتحاد الإفريقي، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة ولم يوافق عليه المؤتمر الشعبي الذي يؤيد حوار الداخل. والآن السؤال المطروح هو: هل المهدي مع الحوار أم أنه غادر محطته دون عودة؟ الرد الذي فصله مسؤول دائرة الفئات بحزب حركة الإصلاح الآن أسامة توفيق في حديثه ل «الإنتباهة»، جاء فيه: أن المهدي مع الحوار، ولكنه ينشد الجدية من الحكومة. وأضاف: ونحن أيضاً من دعاة أن تكون الحكومة على استعداد لدفع استحقاقات الحوار، بوضع كل القوانين بما فيها الدستور وقانون الانتخابات إلى طاولة الحوار. وبالإشارة إلى دعوة المهدي لأن يكون الحوار بإشراف آلية أمبيكي وأنها هي التي تحدد مكان وزمان الحوار، قال أسامة إن الحكومة غير جادة في الحوار، وإن عدم جديتها يشرع الباب أمام القوى الدولية، منوهاً إلى أن الاتحاد الإفريقي سبق وأن أصدر قراراً بأن يتولى أمبيكي رئاسة الحوار في السودان، مؤكداً أن العالم لن يسمح بوجود دولة غير مستقرة، ويكفي ما يحدث اليوم بليبيا والعراق ومصر وإفريقيا الوسطى، وأضاف أسامة نحن أوضحنا للحكومة أن هذه هي فرصتها الأخيرة، فإذا لم تغتنمها فإن التدخل الدولي قادم لا محالة، مذكراً بالوساطة الجارية هذه الأيام بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية، ولفت أسامة إلى أنه في الوقت الذي ألقى فيه المهدي خطابه، كان نائبه مريم المهدي بصدد الانخراط في مشاورات مع البرلمان الأوربي في بروكسل حول مستقبل العملية السلمية في البلاد بمشاركة قيادات الجبهة الثورية، وأكد أسامة أن حديث المهدي ذلك ليس اشتراطاً إنما قراءة لمستقبل الحوار، ودعا الحكومة بقطع الطريق على التدخلات الأجنبية بامتلاك الإرادة التي تمكنها من دفع استحقاقات الحوار الوطني.