في سياق التفاعل والانفعال العاطفي والعقلاني الحال في الإطار الذاتي والموضوعي مع ما يجري في غزة المكلومة والصامدة والمجاهدة في مواجهة ما تتعرض له من عدوان صهيوني غاشم وظالم، تجدر العودة كما أرى إلى الخلاصة المفيدة لما أورده المفكر والوزير اللبناني السابق جورج قرم في مقالة نشرتها عام 2011 مجلة «العربي» الكويتية الشهرية في عددها الصادر بتاريخ سبتمبر من ذلك العام.. فتحت عنوان «فلسطين تقرر سلام العالم» ذكر أن مصير السلام العالمي المهدد باستمرار من القوى الغربية المساندة للكيان العنصري الصهيوني يتقرر في فلسطين. وأضاف في سياق هذا الإطار أنه ينبغي أن تكون هذه المعركة معركة كل المنصفين المتدينين والعلمانيين، فهناك مدارس توراتية يهودية تكافح منذ زمن طويل في فلسطين أو في أروبا والولايات المتحدةالأمريكية لتظهر أن قيام دولة إسرائيل من الناحية الدينية هو الكفر بذاته، وعلينا أن ندعم توجه ونضال تلك المدارس. ويضيف أنه ينبغي كذلك أن نعمل بفعالية أكبر على إبطال منهج العقيدة الأمريكية الأوروبية الخيالية التي يقوم عليها دعمهم الأعمى لممارسات دولة إسرائيل. ثم ينبغي أن نستعيد التاريخ الفلسطيني الذي ينفي أن تكون أرض فلسطين أرضاً يهودية حصرياً، بل هي أرض مشتركة للديانات؛ التوحيدية الثلاثة من الناحية الروحية، والديانة اليهودية ليست إلا أصغرها عدداً وانتشاراً. وكذلك يجب أن نطرح على أنفسنا وعلى العالم السؤال الجوهري التالي وهو: هل الديانات أو الحضارات أو الثقافات هي التي تسبب الحروب والعنف؟ أم أن طموحات الدول ورجال السياسة والمثقفين الباحثين عن المجد السهل هي التي تفعل ذلك؟ وتضيف المقالة إن تلك هي بعض العناصر التي نحتاج إليها في مقاربة نزاعنا مع العدو الصهيوني وكل من يؤيده، وذلك لأن هذه المقاربة هي التي تؤمن لنا الحس السليم والصحة العقلية، وهي غالباً ما تغيب عن المناقشات الخاصة بفلسطين. فاعتماداً على هذه العناصر يجب أن نقارب النضال المعنوي والروحي الذي لا بد أن يترافق بالمقاومة على الأرض، وذلك لأنها من خلالها نتجنب الدخول في مناقشات لا طائل منها، والخضوع لمختلف أشكال الإرهاب الفكري مثل إرهاب الفيلسوف الألماني الذائع صيته ليوشتراوس وهو من اتباع المحافظين الجدد، وقد ذم الأنموذج المعتمد في الخيال حول الديمقراطية الأغريقية الأثنية ليؤكد الصلاحية التامة لثيوقراطية القدس العبرية القديمة الزائلة. وتضيف المقالة إن فلسفة ما بعد الحداثة التي ساهم فيها ليوشتراوس تكوّن إطاراً آخر لتبرير تجريد الشعب الفلسطيني من أرضه وممتلكاته، وهي فلسفة تسعى لإرساء شرعية الكيان الصهيوني التي لن يحصل عليها أبداً لدى الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية، ليس بسبب معاداة السامية، ولكن لأن العالم العربي لم يشارك في التاريخ المضطرب والدموي للعلاقات اليهودية المسيحية في أوروبا، وبالتالي لا يمكنه أن يتقاسم هذه الانفعالات العاطفية المنحرفة الأوروبية والأمريكية. ولذا يجب أن نرفض جميعاً، جملة وتفصيلاً، كل تلك الطروحات الغربية الإرهابية والاستعمارية الطابع بشكل لا يفتح أية ثغرة في جدار الرفض العربي للكيان الصهيوني. ويضيف المفكر والوزير اللبناني السابق أنه وإن تساهلت بعض الأنظمة العربية تجاه وجود هذا الكيان الصهيوني فذلك لن يجر أبداً الأغلبية الغالبة لشعوبها إلى مشاطرتها مثل هذا التساهل. ومما لا شك فيه أنها معركة طويلة، وعلينا أن نتأمل فيها جيداً على المستوى الفكري حتى نتوصل إلى اعتماد الأسلوب النافذ الفعّال في التعبير عن رفض كل أشكال الترويج المفسد وغسل الأدمغة الذي نشتهر به منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والمتعلقة بالتبريرات المنحرفة الخاصة بإضفاء شرعية مزيفة على اغتصاب الحقوق الفلسطينية من قبل الكيان الصهيوني وكل من يؤيده بشكل آلي في الدول الغربية.