عرضت أمريكا مقترح هدنة لاثنتين وسبعين ساعة على روسياوإيران قبل عرضها على إسرائيل والمقاومة في غزة..!! وهذا الأمر يعني أن تجاهل الدور الروسي في الأزمة له ما وراءه من مضاعفات، وأمريكا رغم أنها فرضت عقوبات اقتصادية على روسيا، إلا أنها تدرك مدى الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا في الأزمة وهو دور خطير يمكن أن يقلب كل الحسابات..!! كما أن إيران وهي الحليف لروسيا يمكنها بالتضامن مع روسيا وهما القوة العسكرية الضخمة في المنطقة يمكنهما قلب الموازين في المنطقة، فقد أطلق قائد الحرس الثوري بياناً مفاده أن الجيش الثوري سيتدخل..!! هذا يعني توسيع الحرب لتشتعل كل المنطقة وتخسر أمريكا مصالحها فيها، فكل الشعوب العربية بعدها وكل الدول ستتحول إلى ربيع عربي حقيقي وليس أمريكي..!! ورغم أن أمريكا تحاول احتواء روسيا في إطار حدودها بإشعال الفتن في أكرانيا وجورجيا وغيرهما من دول جوارها إلا أنها تجد أن سياستها هذه خطأ كبير، فروسيا لا يمكن احتواءها وأثرها في المنطقة مهما كان ومهما بلغ حجمه من الصغر فإنه مؤثر، ومحاولة إضعاف روسيا بالعقوبات محاولة يائسة وخاسرة، وحتى الأحكام القضائية التي أصدرتها المحكمة الأوروبية إنما هي أحكام سياسية يمكن لروسيا عدم الالتزام بها..!! والشعب الروسي الذي عانى في الحرب العالمية الثانية وقدم التضحيات وحارب جائعاً وعاش المواطنون في ليننجراد ألف يوم بلا غذاء حيث كان المحظوظ منهم ينال مائة جرام من الخبز في اليوم ورغم ذلك حارب هذا الشعب وانتصر، وهذا مثل واحد لتحمل الشعب الروسي المعاناة في أسوأ ظروف يعرفها شعب وتناسى كل هذه المعاناة وحارب وانتصر وأنقذ البشرية جمعاء من النظام الفاشي..!! واليوم تجد أمريكا في حاجة لفك احتوائها لروسيا فأبلغتها بالهدنة قبل أن تبلغ بها إسرائيل والمقاومة في غزة، واحتواء روسيا لا يمنعها من لعب دور مؤثر في المنطقة يمكن أن يقلب موازين المعادلة الخاطئة التي تضعها أمريكا لإدارة المنطقة..! فبالسلاح الروسي عبر الجيش المصري خط بارليف، وبالبطاريات المضادة للطائرات الروسية تم إيقاف حرب الاستنزاف التي مارستها إسرائيل على مصر، وبالسلاح الروسي يمكن أن تقوم أية دولة في المنطقة والأرجح إيران والمقاومة اللبنانية بذات الدور..!! كما أن العقوبات الاقتصادية سيكون لها أثر مزدوج ليس على روسيا وحدها، بل على أوربا أيضاً، حيث تقوم التقارير الاقتصادية الأوروبية أن أوروبا معرضة لخسارة تسعين مليار دولار جراء هذه العقوبات..!! وهذا ما لن يتحمله الاقتصاد الاوروبي المترنح الذي عليه يقع عبء معاناة دول مهمة كاليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا، مع ترنح العملة الأوربية اليورو أمام العملات العالمية الأخرى، الأمر الذي قد يقود إلى رجوع دول المجموعة الأوربية إلى عملاتها القديمة.. هذا، إلى جانب أن منتجات روسيا من البترول والغاز لا يمكن لأوربا أن تستغني عنها على المدى القريب ناهيك عن المدى البعيد، كما أن أسواق الصين والهند قادرة على استيعاب ما تستهلكه أوربا من هذه الطاقة الحيوية..!! إضافة إلى قيام الاتحاد الأوراسي الذي يمكن أن يستقطب إيران، الأمر الذي يجعل من ذلك الاتحاد منافساً حقيقياً للأوبك، إذ أن روسياوإيران وحدهما ينتجان أكثر من نصف إنتاج الأوبك، وفقدان الأوبك للإ نتاج الإيراني سوف يحدث ربكة في الأسواق ترتفع فيها أسعار البترول إلى درجة قياسية!! هذا إلى جانب مجموعة بريكس، وهي قوة اقتصادية يمكن أن تقلب الموازين الاقتصادية العالمية، ونجاحها يعني مقتل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين تسيطر عليهما أمريكا..!! لروسيا مخارج اقتصادية حقيقية لتعبر أزمة اقتصادية طارئة، والشعب الروسي معروف بالصبر والجلد، فقد صبر على نابليون وعانى وانتصر. وصبر على هتلر وعانى وفقد الملايين وانتصر، وصبر على تفكك الاتحاد السوفيتي وبعد أن ظن الجميع أن روسيا قد انتهت هب المارد من جديد في بضع سنين، وعادت روسيا قوة عالمية من جديد بعد أن ظن الجميع أنها ماتت بموت الاتحاد السوفيتي..!! أمريكا تدرك كل هذا، ومع ذلك تمارس سياسة الاحتواء لروسيا رغم فشل هذه السياسة في هذا الزمان، حاولتها مع جورجيا فاعتدت على جنود حفظ السلام الروس ونالت عقابها بعد أن تخلت عنها أمريكا، واليوم تحاول ذات الأمر مع أكرانيا، والغريب أن أمريكا تكرر ذات التجربة عدة مرات وتنتظر في كل مرة نتيجة مختلفة..!! إنه التخبط بعينه..!! إن روسيا أكبر من عانى من ويلات الحرب، وعلى هذا الأساس يجب أن تلعب الدور الذي يمليه عليها حبها للسلام والأمن العالميين، وأن تقف مع المظلوم وضد الاستكبار كما عهدناها وعهدها العالم وهي القوة المؤثرة فيه..!!