رفض البرلمان اتهام بعض النواب للدولة والأجهزة التنفيذية بالتقصير أو عدم التنسيق في درء الكوارث التي سببتها السيول والأمطار أخيراً ونفى حدوثه. ووجهت رئاسة البرلمان في بيان أصدرته أول أمس، نواب البرلمان كافة الالتزام بالنصوص اللائحية فيما يتعلق بالإجراءات المتبعة لاستدعاء الوزراء. وقال البيان إنه في ظل هذه الظروف تصاعدت بعض الدعوات باسم البرلمان لاستدعاء بعض الوزراء للمثول أمام البرلمان، وهو إجراء قانوني متاح لكنه يتبع وفقاً لتدابير قانونية ولائحية ولا يتم عبر النشر بشكل يوحي بأن هناك تقصيراً أو عدم تنسيق بين الأجهزة في الدولة وهو ما لم يحدث. وأحسب أن البيان بهذه الكيفية لم يكن مفاجئاً من قبل رئاسة البرلمان التي يقود دفتها د. الفاتح عز الدين الذي فيما يبدو سيكون أكثر تشدداً من سلفه السابق الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر من ميوله وتحيزه الواضح للحكومة وسياستها، في حين أنه يرأس الجهاز الرقابي الذي مهمته هي محاسبة الجهاز التنفيذي والحرص على متابعة قضايا الجماهير والاقتراب من نبضها والسعي لحلها بالذراع التشريعي أو بالخطوات العملية تارة أخرى، وإذا كان الأستاذ الطاهر كما أوضحنا في مقال سابق، نماذج أبدى فيها دفاعاً عن السياسات الرسمية للدولة وبعض قراراتها حتى كاد يتحول ناطقاً رسمياً لها، وكأنه ليس قائداً للجهاز التشريعي الرقابي، فإن د. الفاتح ضاق حتى بالمعارضة عندما طرد ذات يوم رئيس الكتلة ممثل المؤتمر الشعبي في البرلمان إبراهيم حسين من الجلسة بحجة عدم الانصياع لتعليمات المنصة، وكان حرياً برئاسة البرلمان في ظل الظروف الحالية الحرجة التي تمر بها البلاد، حيث تهدمت العديد من المنازل ومات عدد من المواطنين وقطعت السيول بعض الطرق الحيوية وحاصرت المياه الأحياء وغطت بعض الجسور والأنفاق والمواقف، كان حرياً أن يناقش البرلمان هذه التداعيات ويستدعي المسؤولين المباشرين عن هذه الأزمة، بيد أن رئاسة البرلمان بدت وكأنها تستنكف على النواب مجرد محاولة إبداء النية لاستدعاء المسؤولين بحجة أن ذلك قد يوحي بأن هناك تقصيراً أو ما أسمته عدم تنسيق بين الأجهزة في الدولة، أي، أن الرئاسة البرلمانية تشفق على سمعة الحكومة وأجهزتها من تهمة التقصير، وكأنها لا ترى أن الأزمة الكارثية بتداعياتها المأساوية من موت للمواطنين وما تحمله من تقصير ممثلاً في الأخطاء الهندسية في تشييد بعض المرافق والجسور وغرق شوارع العاصمة حتى بما فيها صالة مطار الخرطوم، لا يستحق أن يُستدعى فيه مسؤول، لأن سمعة الحكومة وبراءتها من التقصير ينبغي أن يقدم على كل ذلك وفوق كل اعتبار. في حين أن من الحكمة لو سارعت رئاسة البرلمان في لعب دورها الرقابي بشجاعة في هذه الظروف حتى تثبت للمواطنين أن البرلمان رغم تصفيقه وتهليله لبعض قرارات الحكومة المتعلقة برفع الدعم عن الوقود أو قرارات أخرى، فهو يقف معهم في هذه المحنة عندما يتناول النواب التقصير الواضح الذي أشارت إليه بعض الصحف ووثقته بالصور التي لا تكذب وتحدثت به المجالس، لكن يبدو أن رئاسة البرلمان في حاجة إلى تذكيرها بضرورة فك الاشتباك بين التعبير الحماسي الصارخ للونها الحزبي وبين مسؤوليتها الرقابية كنواب جاء بهم الناخبون لمعالجة قضاياهم الملحة وأشواقهم في الحرية والكرامة والاستمتاع بحقوقهم التي كفلها لهم الشرع قبل أن يحددها الدستور.