قبل ايام قلائل رحل ابي عن دنيانا الفانية الى الرفيق الأعلى ...رحل بلا ضوضاء او جلبة كما النسمة الهادئة في وقت السمائم والحرور، ومسارب الضي في زمن العتمة، والماء الزلال.. في زمن العروق الذابلة من شدة العطش ، والظل الظليل في زمن الهجير.. لكل هذا كان فقدنا كبيراً ومصابنا جللاً، ومع هذا لم نقل إلا ما يرضي ربنا جلَّ وعلا، رغم أن العين لم تكف عن دموع الرحمة، وما كان القلب ليقوى على ألم الفراق، ولم تكن النفس لتصبر على الحزن النبيل، لولا فسحة الامل والايمان الصادق والثقة بالله وحده الذي وعد عباده الصالين بجنات النعيم.. لقد كانت الفجيعة كبيرة والفقد عظيماً.. إلا أن عزاءنا الوحيد الذي ظل يرفدنا بالمواساة الصادقة الحميمة، هو ذلك الطريق المستقيم الذي كان يمضي فيه المرحوم في مسيرة حياته وهو قاصد ربه وساعٍ الى لقائه ومستعدٌ لآخرته التي ظل يعمل لها بجد واجتهاد ليل نهار، فلم تشغله الدنيا الفانية ولا عرضها الزائل عن الاستعداد ليوم الرحيل.. لقد شهد له الأعداء قبل الاصدقاء واهل الدار بأنهم ما رأوا في قريته أجرأ منه على قول الحق والنصيحة.. كيف لا وقد كان لا يخشى في الحق لومة لائم أبداً.... لقد كان عزاؤنا أنَا وجدناه صابراً محتسباً راجعاً الى ربه في كل لمحة، شاكرا لانعمه في كل لحظة.. لم نره الا والمصحف بين يديه او ممسكا بمسبحته او راكعا او ساجدا متقربا الى الله بكثرة النوافل في الثلث الاخير من الليل.. وهذا ما ناحت به امي لحظة خروج روحه الطاهرة، إذ سمعتها تردد مع البكاء: «سيد صلاة الليل والثلث الأخير تالي القرآن المحافظ على أوراده»، فرجوتها عدم البكاء والنواح ففعلت.. فمثلما كان فقدنا جللاً فقد كان عزاؤنا رصيداً زاخراً جمعه المرحوم بإخلاص استعداداً ليوم الرحيل.. كيف لا يفعل ذلك وهو الذي كان يوصينا دوما بتقوى الله ومخافته ومراقبته في كل عمل وفي كل خطوة، وهو الذي كان يشدد على اتقان الصلاة والحرص عليها أيما حرص، ونشهد الله نحن أبناءه أنه أنشأنا على الصدق والأمانة ومخافة الله وتقواه... اللهم اعطه أكثر مما قدم لنا ولغيرنا ولنفسه، واجزل له العطاء يا من تضاعف العطاء بغير حساب، واسكنه الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، فإنك تجد من تعذبه غيره ولا يجد من يغفر له ويرحمه غيرك يا أكرم الاكرمين ويا أرحم الراحمين .. وسأظل دوما على العهد معك ابناً صالحا توافيك دعواته إذ انقطع العمل.. وأختم بالشكر الجزيل لكل الأهل والأصدقاء والمعارف وكل جموع المعزين الذين خفوا إلينا وعلى رأسهم والي سنار المهندس أحمد عباس ووزراؤه وأعضاء حكومته الذين كانوا بيننا. والشكر موصول لمعتمد الدندر الأستاذ عبد المحمود إبراهيم أحمد ومسؤولي المحلية الذين هرعوا إلينا مواسين.. ونظارة رفاعة بقيادة الناظر صلاح المنصور، وعمنا الدكتور منصور يوسف العجب، ومكتب التعليم بالولاية والمحلية، وأسرة مستشفى الدندر، ومديري البنك الزراعي والبنك الإسلامي وبنك الخرطوم.. ووفود أصهاري الكرام من الخرطوم وود مدني وشندي وقندتو بقيادة الأستاذ أبو القاسم أحمد حسن، وكل أهلنا وأصدقائنا في الدندر وسنار الذين لم تسع المساحة لذكرهم .. شكراً لهم جميعاً فقد خففوا عنا كثيراً.. فنعم المواساة ونعم التكافل النبيل.