«فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ» بهذه الآية الكريمة استهلت قناة الجزيرة تقريرها عشية تنحي، أو بالأحرى، خلع الرئيس المصري حسني مبارك، والآية كما يعرف الكثيرون أنها قيلت في فرعون مصر عندما غرق ولفظ البحر جثته حتى يكون عبرة للعالمين ودرساً لكل الطغاة المتجبِّرين علهم يعتبرون، لكنها سنة الكون يظهر الجبابرة في الأرض يعيثون فساداً وظلماً وتنكيلاً برعيتهم ويظنون أن لا أحد قادر على إزاحتهم، وهكذا يعيشون هذا الوهم متدثرين بالأمان الكاذب الذي توفره أجهزتهم السلطوية القمعية، حتى يأتي الطوفان بغتة من حيث لا يحتسبون، فالذين كانوا سنداً للنظام بما يملكونه من أسباب القوة والنفوذ عندما يقول الله كلمته النافذة بانتهاء أجل النظام تأتلف القلوب ضده ويتحوّل المساندون من خنادق الدفاع إلى صفوف الهجوم، فيترنّح الطغاة حتى تميد الأرض تحت أقدامهم فينزلقون إلى مزبلة التاريخ. بالأمس ذهب الرئيس مبارك فنام السجناء السياسيون ملء جفونهم فالزنزانة لن يدخل إليها زبانية التعذيب بعصيهم وسياطهم، ولن تمتد أيدٍ تصفع وجوههم أو تنهال عليهم ركلات في صدورهم، ولن يجلسوا بعد الآن ساعات طويلة أمام المحققين يحرمونهم النوم ويحاصرونهم بالسباب والأسئلة التي لاتنتهي، لن يظهر زائر الفجر ليلاً يتسوّر أسوار المنازل الآمنة ويجر المستهدفين الأبرياء إلى سيارات الاعتقال ليحتفل بهم الساديون طوال الليل، وسيسير كل مواطن تحاصره عيون الرقابة بسبب رأي صدع به أو بسبب وشاية فاسق، سيسير مطمئمناً ولن يهتك سرّه داخل بيته، كذلك لن يحظر حزب من نشاطه أو تمنع ندوة لتيار سياسي ولن تزوّر إرادة الناخبين وسيختفي البلطجية بسواطيرهم وعصيِّهم، ولن يحمى أحد بمنصبه أو لانتمائه للحزب الحاكم، وسيعود للإعلام الرسمي مصداقيته المسلوبة بعد تدجينه وتعليبه في خطاب النظام، وعندها سيتحدث عتريس دون حرج ضد من سرق أرضه وعرقه، وسيسأل برعي عن ماله الذي سلب ، سيتحدث عبد المتعال بشجاعة عن ابنه الذي تخطته الوظيفة وهو مؤهل لها. وبعد ذلك الرحيل المذل لمبارك لن تحول المعابر عن وصول الدواء لغزة المحاصرة ولن تكون هناك حاجة إلى أنفاق بعد الآن، ولن يصبح النظام سمساراً للمصالح الصهيونية وسيعود لمصر دورها الطليعي في الأمة الإسلامية، فهل تتحقق كل هذه الأمنيات؟ هذا ما نأمله جميعاً.