الملاحظ في ثورات الربيع العربي أنه كلما انتصر شعب على طاغية من الطغاة، واجهت هذا الشعب من جديد ثورة مضادة قوامها أنصار النظام المباد وأعوانهم من الإمبرياليين والشيوعيين والأنظمة الملكية الوراثية في منطقتنا. وهذه الأنظمة ظهر بما لا يدع مجالا للشك أنها ضد إرادة الشعوب العربية والإسلامية، وتخشى من أن تنتقل عدوى الثورات والحرية والديمقراطية إليها ولذلك لا يهمها الاستقرار السياسي في المنطقة ولا يهمها أن تحكم هذه الشعوب نفسها بنفسها ولو مات الناس كل يوم وضاعت الأوطان وهلك الحرث والنسل. المهم بالنسبة للأنظمة المستبدة في المغرب العربي وفي المشرق أن تظل باقية ولا تمتد إلى دولها رياح التغيير بل تتعمد إفشال الثورات حتى لا تكون غدوة للآخرين ومنهم الشعوب التي يتحكمون فيها بقوة الحديد والنار. وعندما ظهر اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا ظهر جلياً أنه مدعوم من دول عربية وإسلامية لزعزعة استقرار ليبيا وضرب ثورة 17 فبراير التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي، وهو نظام ظالم ومستبد. وجاء حفتر بشعارات لا ناقة للشعب الليبي فيها ولا جمل وعلى رأسها مكافحة الإرهاب وأول ما استهدف حفتر بطائراته استهدف الجامعات ودور العلم في المدن الليبية وعلى رأسها مدينة بنغازي التي تعتبر مدينة الثورة، كما استهدف الثوار الذين أطاحوا بالقذافي، وهؤلاء الثوار هم السند الحقيقي للثورة وهم من فجرها وقدم الغالي والنفيس لأجل انتصارها على نظام القذافي. كما استهدف المؤتمر الوطني الليبي المنتخب بواسطة الشعب الليبي ومنعه من عقد جلساته وقام باختطاف النواب. وكان حفتر يقوم بأعماله هذه بدعم من نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي خيل إليه أن الثوار في ليبيا هم إسلاميون ومن الممكن أن يقوموا بدعم الإخوان المسلمين في مصر. ورغم كل هذه المؤامرات ظل تمسك الشعب الليبي بثورته وبنجاح العملية السياسية، وبعد الإطاحة بالقذافي هو الذي جعل الليبيين يجرون الانتخابات التشريعية ويختارون برلمانهم الجديد حسب الدستور، كما ثار ثوار ليبيا من جديد وأجبروا اللواء حفتر على الهروب إلى مصر بعد أن ألحقوا الهزيمة بقواته، وهي عبارة عن فلول وأزلام نظام العقيد القذافي. ولكن المتابع للأحداث في الشقيقة والجارة ليبيا يدرك أن المعركة ما زالت قائمة وما زال النظام المصري يصر على دعم حفتر عسكرياً وما زال حفتر يحاول التأثير على الثورة بعد أن قام بعض نواب البرلمان بعقد جلساته في مدينة طبرق بدلاً من بنغازي وطرابلس وفي عقد البرلمان في طبرق مخالفة صريحة للإعلان الدستوري الذي اتفق عليه الليبيون والذي ينص على عقد جلسات البرلمان في العاصمة طرابلس أو بنغازي. وطبرق هي المدينة التي انطلقت منها طائرات اللواء حفتر وجيشه لضرب الثوار والمدن الليبية الأخرى وعقد البرلمان في طبرق وبهذه الصورة من عدم الاتفاق والانقسام في الشارع الليبي الذي خرج في مسيرات ضد خطوة عقد الاجتماع في طبرق، يعني قطع الطريق على ثورة 17 فبراير من أن تنطلق إلى أهدافها بالصورة الصحيحة وضرب لإرادة الشعب الليبي الذي كل ما تخلص من معضلة واجهته معضلة أكبر حيث ظن الناس أن إجراء الانتخابات البرلمانية ومن بعدها الرئاسية هو نهاية لمخططات أعداء الثورة الليبية ولكن التحديات ما زالت ماثلة وكبيرة والبرلمان الليبي الجديد عليه أن يدرك هذه المخاطر على البلاد وينحاز لإرادة الليبيين بدلاً من الجري خلف حفتر وأعوان القذافي المواجودين في مصر والجزائر وغيرها من الدول. وما لا شك فيه أن المسؤولية في نجاح ثورة 17 فبراير هي مسئولية الثوار الذين يجدون دعم الشعب الليبي ولكن الثوار الحقيقيين تراجعوا وظهر من ليس لهم علاقة بالثورة ولا بالثوار، وكادت الثورة تضيع لولا عودة الثوار من جديد لحمل السلاح والتصدي للثورة المضادة... وحتى تستقر الأوضاع في ليبيا لا بد للدول الداعمة لحفتر ومن معه من أعوان القذافي من وقف دعمها وتترك الشعب الليبي لاختيار ممثليه سواءً من الإسلاميين أو غير الإسلاميين، كما أن الثوار لا بد لهم من تولي زمام الأمور بأنفسهم وأن يقوموا ببناء الدولة الليبية الحديثة، دولة المؤسسات والقانون مع نزع السلاح من كل الفصائل والجماعات وحصره على الجيش والشرطة وبناء نظام سياسي قوي وفاعل يكون فيه القدح المعلى للأحزاب السياسية الوطنية من الإسلاميين واللبراليين والعلمانيين واليساريين من غير إقصاء لأحد ما عدا أولئك الذين حملوا السلاح وثبت تعاونهم وتحالفهم مع اللواء حفتر وأعوان القذافي وإزالة الاحتقان السياسي وإجراء المصالحات وبناء اقتصاد ليبي قوي وحديث لكون ليبيا هي أغنى بلد عربي ولا بد من استثمار خيرات ليبيا لصالح الشعب الليبي وتحقيق رفاهيته من ثوراته التي تزخر بها باطن الأرض وعلى رأسها النفط.