عجيب أمر ما يجري وأعجب منه أن تدري ديكنا الحنون الصياح عند الفجر أصيب بالسعال الديكي. بحثنا في جميع الصيدليات.. لم نجد علاجاً للسعال الديكي عندما يصاب الديك به. كل الأدوية التي وجدناها تعالج السعال الديكي عند الإنسان ولا تعالجه عند الديك. وهكذا قضى ديكنا قضى وعن ديارنا مضى مأسوفاً على شبابه وعرفه الأحمر القاني وصياحه الشجي مع نسمات السحر واحتشاد الملائكة. المقدمة هذه كان لا بد منها ونحن نشاهد عجائب الزمان ومحنه. لقد تفشى مرض الإيبولا في بعض دول غرب أفريقيا وأخذ يحصد الأرواح.. مرضى، أطباء، عاملين في هيئة الصحة العالمية «ما عندو قشة مرة»، ولم يجدوا له علاجاً ناجعاً إلا علاجاً كان معداً لعلاج الإيبولا عند القرود وليس عند الإنسان. فما كان منهم إلا أن تخلوا عن كل الاحتياطات وأخذوا يطبقونه على البشر في الوقت الذي لم نستطع أن نعالج ديكنا من السعال الديكي بالدواء الذي يعالج السعال الديكي عند الإنسان. فلماذا هذا الكيل بمكيالين؟ القضية معقدة: فالتجارب التي أجريت لنقل أعضاء حيوانية مثل الكبد والكلية من قرود إلى بشر نجحت في حدود معملية إلا أن المعضلات التي أثارتها كانت كبيرة، فمثلاً وجد أن فيروس التهاب الكبد الوبائي يصيب الكبد البشرية الجديدة المزروعة في الجسم إلا أنه لا يصيب كبد القرد وهذا ما شجع على المضي في محاولة نقل أكباد القرود للبشر إلا أن تلك الأكباد نفسها تحمل أنواعاً متعددة من الفيروسات والتي يمكن أن تصيب البشر وتنتقل إليهم . وبالرغم من أن بعض تلك الفيروسات في القرود تمت دراستها وتم عزلها إلا أنه ليس بمقدور أحد أن يتأكد من نوع وعدد جميع الفيروسات التي يحملها القرد في كبده، ويبدي العلماء الآن بعض الشك في أن يكون فيروس مرض الإيدز قد انتقل من القرود إلى الإنسان خاصة والقرود تصاب بفيروس يشابه فيروس مرض الإيدز، كما أنه قد أجريت تجارب على مصل مضاد لمرض شلل الأطفال في جمهورية إفريقيا الوسطى وكان قد جرب على القرود إلا أن تلك التجارب ظلت سرية لا يعلن عنها، ويعتقد بعض العلماء أنها أدت إلى نشوء فيروس مرض الإيدز. وقد ثبت أن مرض ماربرج ومرض حمى لاسا بعض الأنواع الخطيرة من الأنفلونزا قد انتقلت من القرود إلى الإنسان متخطية بذلك الحاجز النوعي بين الإنسان والحيوان. وقد نشأ جدال بين علماء الفيروسات وبين أطباء علم الجراحة. فبينما يبدى علماء الفيروس عزوفاً عن الخوض في أية تجارب تتعلق بالفيروسات الحيوانية يبدي الجراحون اهتماماً كبيراً بالبحث في مجال نقل الأعضاء الحيوانية وزراعتها في الإنسان في ذلك الفرع الجديد من العلم الذي يشار إليه بالزاينوترانسبلات XENOTRANSPLANT .، ويجادل الجراحون أن الذي يحتاجه العمل الآن ليس حظراً على مثل هذه التجارب بل تضافراً في الجهود بين جميع طبقات العلماء كل في مجاله وذلك لمعرفة كل أنواع الفيروسات وعزلها من القرود أو حتى في مجال تربية أنواع من القرود خالية من الأمراض أو الفيروسات، وذلك بتوليدها في بيئة صحية معقمة وإنتاج أجيال جديدة لم تتعرض للإصابة بأية فيروسات. ولهذه الطريقة أيضاً بعض المحاذير. وقد جربت من قبل في إنتاج أنواع من الفئران خالية من الجراثيم وذلك بحفظ الأمهات في بيئة معقمة وتوليدهن بعملية قيصرية وأخذ الأجنة إلى مرابي معقمة تماماً. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.. فعندما أخرجت تلك الأجنة إلى تلك البيئة المعقمة لم يمض عليها زمن طويل حتى ماتت كلها... وكان سبب الوفاة هو عدم قدرة تلك الفئران الصغيرة على تفريغ مثانتها من البول... فماتت بالتسمم... وقد اكتشف العلماء أخيراً أنه لكي تعمل تلك المثانات وتؤدي وظيفتها كاملة لا بد أن تلحس الأمهات صغارهن بألسنتهن حتى يتم تحفيز جميع أجهزة الجسم للعمل.. فوجود الصغار مع أمهاتهم ضروري جداً لجميع أنشطة الجسم الفسيولوجية.. وهذا يضع كل الجهود في سبيل إنتاج حيوانات خالية من الجراثيم والفيروسات وذلك لاستعمالها في تجارب زراعة الأعضاء في بداية الطريق. ويتجه العلماء الآن إلى فهم تلك المعضلات بشيء من الواقعية. فالاندفاع والحماس غير المؤسس على نظم علمية سليمة لا يؤدي إلى نتائج حميدة كما أن حظر التجارب لن يفيد شيئاً، وعليه يجب أن يتجه البحث أولاً إلى حل تلك المعضلات واحدة تلو الأخرى حتى يتم إحراز نجاح بأقل خسائر ممكنة. والآن فإن استخدام عقار كان معداً لعلاج الإيبولا عند القرود غير مأمون العواقب. آخر الكلام : الاتفاق على صيغة تراضوية لحكم البلاد من خلال الحوار هو خير مخرج والولايات السودانية المتحدة في تقديري خير مخرج. اللهم احفظنا من الشرور فوق ما نحذر وقدر لنا من الخيرات فوق ما نرجو.