يَجيءُ عنوان هذا المقال تأملاً وامتثالاً واستعداداً واستجابة لنداء الحق تبارك وتعالى: (وَأذِن فِي النَّاس بالحَجّ، يَأتُوكَ رِجَالا، وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلّ فَجٍ عَمِيقٍ). فهي دعوة ربانية، تنطلق بها جذوة حبّ وشوق في قلب المسلم، ويتحرك بها الوجدان، فينطلق الإنسان، مستعيناً بالرحيم الرحمن، لحج بيت اللَّه الحَرام. ليهنأ بالقرب من مناهل الإيمان، ومنازل القرآن، ويسعد ببلوغ الآمال في الأرض المباركة، التي أنبتت الرجال، وأخرجت الأبطال، الذين جعلهم اللَّه زيّنة للأرض، وبهجة للأنفس، وقدوةً للأجيال. واستجابة الإنسان لهذا النداء السماوي، الذي سمعه أهل السماوات والأرض، ليشد الرحال إلى تلك البقاع الطاهرة التي تجتمع فيها مصالح المسلمين، وتتجدد الروابط بينهم، خاصة عند لقاء المسلم بأخيه، في رحاب اللَّه، وفي البلد الأمين، الذي جعله اللَّه للمسلمين جميعاً، سواء العاكف فيه والباد، وجعله سبحانه وتعالى مثابة للناس وأمناً، يثوبون ويأوون إليه. (العزيمة الصادقة): فإذا عزم المسلم على الحج، وبدأ الاستعداد للسفر، فقد أنجح وأفلح، وإذا كان الإحرام وهو التجرد من الثياب ركنٌ ركين من أركان الحج فإن أموراً يجب على الحاج أن يتجرد منها، ويطهر نفسه من آثارها قبل السفر!، وذلك استعداداً للطهارة الكبرى، وغفران الذنوب في يوم عرفات، يوم التجليات والبركات والخيرات (بإذن اللَّه). (النية وردّ الحقوق والإخلاص): فعلى المسلم الذي نوى الحج، أن يبادر بالتوبة من كل ذنبٍ وقع منه، وأن يجعل نيته في حجه خالصة للَّه وحده!: (وما أُمِرُوا إلاّ لِيَعبُدوا اللَّه مُخًلصِينَ لهُ الدّينَ). وأن يبادر إلى قضاء ما عليه من الديون، وأن يحرص على إبراء ذمته من الحقوق كلها، سواء أكانت للَّه عز وجل، أو للناس.. وأن ينوي التقرّب إلى اللَّه في جميع أحواله لأن: (الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرئ ما نوى). (المال الطيب الحلال): والأهم أن تكون (نفقات الحج) من المال الطيب الحلال لأن اللَّه تبارك وتعالى طيب، لا يقبل إلا طيباً!. وأن الأموال التي تكتسب من الربا، أو تأتي من الغِش، أو الخِداع، أو الكذب، والزور، والبهتان، والاحتيال، لا يُقبل اللَّه منها زكاةً، ولا حجاً، ولا صدقة واجبة!. (فأموال الحج) يجب أن تُنظَّف وتُزكى من كل شائبة لتكون طيبة عطرةً تُؤتي أكلها وتُضاعف لصاحبها بإذن اللَّه. ويجب أيضاً عدم التباهي والتفاخر.. فإذا خرج الحاج وفي نفسه أن يفكر في المباهاة بالحج، أو النزهة في السفر، أو التجارة والربح!، أو السمعة، أو الرياء في هذا الموسم العظيم، أو حباً في أن يسميه الناس (حاج فلان!)، أو يفكر في الاستقبالات التي ستجري له إذا رجع إلى أهله بعد الحج (إن شاء اللَّه) فهؤلاء هم المحرومون! الذين لا ينالون شيئاً من فضل اللَّه ورحمته ومغفرته! "فقد أخرج الخطيب والديلمي عن أنس مرفوعاً، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال: (يأتي على الناس زمانٌ يُحجُ أغنياء أمتي للنزهة، وأوسطهم للتجارة، وقرّاؤهم للرّياء، وفقراؤهم للمساءلة)". (التجرد للَّه سبحانه وتعالى): ويجب على الحاج أن ينوي التجرد من كل صفة ذميمة تؤدي به إلى خسران حسناته، كالغضب، والمخاصمة مع الأقران، أو الشتم، أو الكذب، والغيبة، والنميمة، والجدال، خاصة في أمور الدين، لأن: (الحجُ أشهرٌُ معلومات، من فرض فيهنَّ الحج فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال في الحج). (الإلمام بفقه الحَج): يجب أن يكون الحاج مُلِماً إلماماً جيداً بفقه الحج، وفقه النسك.. وأن يسأل العلماء وأئمة المساجد، أو البعثة الإرشادية التي ترافقه إلى الأراضي المقدسة، أو أمراء الأفواج على ما يجب عليه أن يفعله في الحج، وما يجب عليه أن يتركه. حتى يؤدي مناسكه على منهج وسُنة المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم: (خُذوا عني مناسككم).. (ولِكُلِّ أمَةٍ جَعَلنَّا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ). (الصُحبة الطيّبة): يجب على الحاج أن يصحب الرفقة الطيبة، المُحبّة للخير: (فالرفيق قبل الطريق).. وأن يتق اللَّه في أهله، وفيمن يجب نفقتهم عليه، بأن يوفرَّ لهم من المال ما يكفيهم، ويسد حاجاتهم.. وأن يودّع رفقاءه وإخوته وأسرته وجيرانه، ملتمساً أدعيتهم. أخوكم/ عثمان الجيلاني الأمانة العامة لمجلس الوزراء