في مثل هذه الأيام في شهر أغسطس من عام «1998م» شهدت الخرطوم حدثاً لم تشهده من قبل، فقد قصفت الصواريخ الأمريكية من طراز «توما هوك» أكبر مصنع للتصنيع الدوائي في السودان، وقد شغلت هذه الجريمة الميديا المحلية والدولية وخرجت المظاهرات في معظم دول العالم تشجب وتدين ذلك العدوان على السودان، وحتى بعض مراكز القرار في الولاياتالمتحدة لم تكن راضية عن هذا القصف. ويبدو أن التقارير التي عرضها وزراء الدولة في الخارجية البريطانية لمجلس اللوردات والعموم يؤكدون فيها أن مصنع الشفاء في السودان ينتج الأسلحة الكيميائية، وقد أسهمت المعارضة السودانية المنضوية تحت مظلة ما يسمى التجمع الوطني آنذاك في تغذية هذه التقارير الكاذبة. وقال وزراء الدولة في الخارجية أمام البرلمان إن استخبارات وزارة الدفاع البريطانية نفت تلك التقارير التي نقلها أولئك المعارضون السودانيون إلى الحكومة البريطانية. بعد مرور ستة عشر عاماً على قصف مصنع الشفاء ونفيها عدم وجود أسلحة كيمائية به ما زالت أمريكا تمارس ضغوطها على السودان وتضعه في قائمة الدولة الراعية للإرهاب. المصنع ملك خاص كان مصنع الشفاء للأدوية استثمارًا للقطاع الخاص يتبع لرجل الأعمال المهندس بشير حسن بشير بملكية (60%) بشراكة مع توكيلات باعبود للملاحة والتجارة التي وصلت نسبتها إلى (40%) وافتتح في مارس عام 1997م وفي مارس 1998م اكتمل بيع مصنع الشفاء إلى رجل الأعمال المعروف صلاح إدريس وقد كتب الصحفي الأمريكي الشهير (جيمهوقلاند) في صحيفة نيويورك تايمز الصادرة بتاريخ الخميس 30/يوليو 1998م وصحيفة انتر ناشيونال هيرالد تربيون الصادرة في نفس التاريخ أن هناك تقارير تفيد بأن امريكا تمارس ألاعيبها القذرة والقديمة وتقود حرباً سرية متعددة الأوجه ضد السودان كان ذلك قبل ثلاثة أسابيع من القصف الامريكي لمصنع الشفاء حثت تفجيرات سفارتي الولاياتالمتحدة في كينيا وتنزانيا وكتبت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية اليمنية صبيحة التفجيرات أن خلية سودانية وراء التفجيرات وقد عرفت صحيفة الديلي تلغراف بعدائها للسودان وكتبت بتاريخ الخميس 11 أغسطس عام 1998م تتهم السودان بارتكاب تفجيرات نيروبي ودار السلام وتشير إلى أن بن لادن هو المتهم الأول في تفجيرات سفارتي أمريكا في شرق إفريقيا وأن بن لادن والسودان كلاهما يساعد الإرهاب. تداخل الاتهامات ونشرت (ديلي تلغراف) في صفحتها الأولى أن السفارة الامريكية في نيروبي هي مقر القيادة العسكرية للقوات الامريكية في منطقة غرب آسيا اي منطقة شرق افريقيا والقرن الافريقي وصرح (بول باترسون) المسؤول الاقليمي لأمن السفارات الامريكية بان تفجير السفارة الامريكية في نيروبي يمكن ان تدمر العقل المركزي للسفارة وان سفارة امريكا في نيروبي هي ملجأ للبعثة الدبلوماسية الامريكية في السودان. وقد وثق الصحفي الكبير الأستاذ عبد المحمود الكرنكي رئيس تحرير الزميلة الصحافة لقصف مصنع الشفاء بسلسلة مقالات ضافية وكافية تناولت الحدث بكل جوانبه وأبعاده. شطب CIA وقد أشار في إحدى مقالاته.. إذا كان السودان حقيقة يرعى الإرهاب فلماذا لم تدمر الصواريخ الامريكية معسكرات الإرهابيين فى السودان مساء 20 أغسطس 1998م مثلما دمرت في نفس المساء معسكرات الإرهابيين في افغانستان وقد حصحص الحق للسودان الجنرال (سكوت غريشن) امام الكونجرس ليعلن ان السودان يجب ان يشطب من قائمة الارهاب لأن وكالة (cia) لم تقدم دليلاً واحداً يثبت ذلك وان وضع السودان في تلك القائمة وضع سياسي لكن حتى الآن لم تشطب واشنطن السودان بصفة رسمية من قائمة الإرهاب بينما شطبت صواريخها قبل ستة عشر عاماً اسم السودان من تلك القائمة ويستطرد الكرنكي حديثه ويقول عندما دمرت الصواريخ المنشاة الدوائية وأشعلت فيها النيران ظلت ألسنة اللهب والدخان ورائحة المواد المحترقة تتصاعد من حطام مصنع الشفاء وتتناثر على أرض المنطقة الصناعية بحري قوارير الأدوية وبقايا ماكينات المصنع إلى جانب شظايا وقطع صواريخ (توماهوك) وظلت كذلك فى بريطانياوأمريكا تتصاعد السنة الحقائق ولهيب المعلومات لتصل التقارير الصحفية الامريكية والبريطانية التي كشفت عن ملابسات وخطأ قصف مصنع الشفاء إلى أكثر من مائة وعشرين تقريراً نشرتها كبريات الصحف والمجلات ومحطات التلفزة البريطانية. الأدوار السالبة إن تدمير مصنع الشفاء كشف أسرارًا مهمة في سياسة الدول الغربية تجاه السودان ما كان لها ان تكشف وقد ايد حزب الامة والحزب الشيوعي تدمير مصنع الشفاء حيث أعلن ذلك التأييد السيد الصادق المهدي والسيد فاروق أبو عيسى والسيد التجاني الطيب ويلاحظ أن السياسيين السودانيين الذين أيدوا تدمير مصنع الشفاء هم أنفسهم اليوم أعداء الحوار الوطني. تفاعل اللوبيات الأمريكية ويعتقد البروفسير الطيب زين العابدين المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في حديثه ل (الإنتباهة) أن دور المعارضة كان سالباً في قصف مصنع الشفاء وقال نحن في ظل نظام عسكري فأحزاب المعارضة تحاول أن تسبب المشكلات كنوع من الكيد السياسي للحكومة وإدخال السودان في مواجهة مسلحة مع أمريكا لأنه لا يستطيع ذلك ولأجل أن تحل المشكلات لا بد من توحيد الجبهة الداخلية لأن المشكلات التي حدثت السبب الأساسي فيها هو تفكك الجبهة الداخلية وانفراد حزب واحد بالسلطة لفترة طويلة ومن الأسباب مغامرة حكومة السودان في علاقتها مع مصر وتشاد واثيوبيا هي التي جلبت لها العدائات ولا بد من حوار شامل مع القوى السياسية عن كيف يحكم السودان وعن الدروس المستفادة بعد مرور ستة عشر عاماً على قصف مصنع الشفاء يقول البروف زين العابدين يجب ان تكون العلاقات الخارجية موزونة وعاقلة فالكونجرس الامريكي معبأ تماماً ضد السودان حتى بعد الاستفتاء فالقرارات لاترفعها الادارة الامريكية بل يرفعها اللوبي الصهيوني ومجلس الكنائس العالمي وتجمع السود في الكونغرس وتعامل السودان مع امريكا استخباراتياً ولكنه لم ترضَ عنه وقطعاً اتهام السودان بالإرهاب ليس في مكانه وامريكا لا تعتذر للسودان عما بدر منها وإذا كان هناك اعتذار كان يمكن أن تقدمه للأفارقة الذين مارست ضدهم الاسترقاق. منصات الانطلاق هناك روايتان حول نوعية الصواريخ والمكان الذي انطلقت منه لقصف الشفاء البعض يعتقد أنها صواريخ (توماهوك) وهناك من يرى أنها صواريخ طراز كروز ويقال إنها أطلقت من قواعد في بحر العرب أو أراضي المحيط الهندي من سفينة أو غواصة وبعد الاطلاق تم توجيهها من غرفة تحكم إلى أن اصطدمت بالهدف وعن اتجاهها يقال إنها كانت من اتجاه الشمال من البحر الأحمر وهي صواريخ موجهة بشكل دقيق وذلك بحسب ماصرح به الفريق أول ركن محمد محمود محمد جامع ويشير الفريق جامع إلى أن الأجواء السودانية واسعة وكبيرة ويعالج هذا الأمر بوسائل استكشاف سريعة وفورية في نفس اللحظة لأن هذه الأسلحة سرعتها تفوق سرعة الضوء ويجب أن تخفى المواقع الإستراتيجية (مخازن مصانع) في مواقع بعيدة حتى إذا حدثت ضربة تكون أخف ضرراً في توزيعها. أهداف إستراتيجية وختم حديثه بقوله إن مصنع الشفاء هدف إستراتيجي ويعلمون بأهمية المصنع للسودان لأنه يجلب مليارات الدولارات وبدأ يصدر لدول الجوار. وقد نشرت صحيفة الغارديان بتاريخ 27/8 /1998م أن السفراء الأوربيين في الخرطوم مثلهم مثل حكومة السودان يتساءلون لماذا تدمير المصنع وأكثر من ذلك لم كان اختياره كهدف عسكري وكذلك الدبلوماسين الأجانب في السودان لايصدقون المزاعم الامريكية. وكتب هنري كسنجر مقالاً نشرته الديلي تلغراف بتاريخ 15/10/1998م يقترح فيه وضع وصاية على الرئيس كلينتون في قضايا الأمن والسياسة الخارجية حيث قارن كسنجر بين أزمتين هما عملية عزل الرئيس نيكسون وعملية عزل الرئيس كلينتون التي بدات بسبب فضيحة مونيكا لوينسيكي. وتحدث إلى صحيفة الغارديان الصادرة بتاريخ الثلاثاء 25 أغسطس عام 1998م الخبير البريطاني (الستير هي) من جامعة (ليدز) حيث قال لصحيفة الغارديان (إن ماقامت به الحكومة السودانية من فتح الباب على مصرعيه والسماح المفتوح لكل الجهات بالذهاب إلى مصنع الشفاء الذي تعرض للغارة الامريكية يعني ان السودان في موقف جيد) وأشار الخبير البريطاني (ان المصنع لوكان ينتج سلاحاً كيمائياً لوجدت اثار ذلك على التربة حتى بعد مرور عدة أسابيع على الإنتاج). أما الخبير الأمني دكتور حسن بيومي فقال ل «الإنتباهة» إن أمريكا لاتغير من سياستها مع السودان ففي المؤتمر الافريقي الامريكي شاركت كل الدول عدا السودان والذي استبعد لأنه