الكركاتير الشهير يصور مواطنًا مغلوبًا على أمره فيما يبدو جالسًا حائرًا يقسم مرتبه بين التزاماته التي قد تبدأ من إيجار المنزل إلى متطلبات أبنائه في المدارس وغيرها من الالتزامات التي أرهقه إيجاد معالجات لها في ظل المرتب الذي «يتشتت» فور القبض عليه ليصبح بعدها الموظف أو العامل محاصَرًا حتى من بائع اللبن.. ظلت مسألة المرتبات وعدم تغطيتها لحاجيات صاحبها مشكلة تؤرق حتى الحكومة رغم أنها السبب المباشر في تدني الأجور على الرغم من محاولاتها لمحاصرة الغلاء الذي كاد يبتلع المواطن جراء ضيق المعيشة ولعل اقتراح والي الخرطوم رفع الضرائب والجمارك عن السلع الرئيسية يؤكد استشعار الحكومة لخطورة الموقف سيما وأن المجلس الأعلى للأجور أقر بضعف المرتبات.. يتطابق مع ذلك الفوضى الضاربة بأطنابها فى كثير من مؤسسات الدولة فى عدم تطبيقها للأجور التي نصت عليها قوانين العمل. إقرار الحكومة !! أقر المجلس الأعلى للأجور أن الحد الأدنى للمرتبات وهو «165» جنيهًا يغطي 12% فقط من متطلبات المعيشة وقد تصل إلى 19% إذا أُضيفت له المنح الشهرية، وأبان أن متوسط الإنفاق الأسري في عام 2011م يبلغ «1371» جنيهاً في الشهر، وكان رئيس المجلس الأعلى للأجور بروفيسور سوار الذهب، أكد في ندوة الشهر الماضي أن المجلس يواجه حزمة من التحديات تتمثل في عدم السيطرة على الأسعار، واعترف بوجود مفارقات كبيرة في الأجور، بالإضافة لعدم التزام مؤسسات الدولة بتطبيق قوانين الأجور مطالبًا بتسوية أجور العمال، بينما دعا الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية د. الفاتح عباس في ذات الندوة إلى وضع حد أدنى للأجور على المستوى القومي، مبيناً أن زيادة العمالة الأجنبية أسهمت في تدني الأجور. ديون.. ثقل الكاهل خديجة مصطفى «معلمة بمرحلة الأساس» أشارت إلى تسلمها ل «30» جنيهًا فقط من راتبها الذي لا يتجاوز ال «450» جنيهًا بعد أن امتلكت احتياجات من شركة خاصة بواسطة النقابة، وأوضحت أن الديون أثقلت كاهلها، بسبب غلاء الأسعار، فضلاً عن عمل زوجها بذات مهنتها، وشكت من ضعف راتب المعلم، فضلاً عن طول أمد الترقيات كل أربعة أعوام، ما يصعِّب إمكانية زيادة راتبها على حد قولها. حال خديجة أحسن بكثير من زميلتها هدي التى تعمل معلمة بإحدى المدارس الطرفية الخاصة في الخرطوم، والتي تتقاضى 100 جنيه فقط كراتب شهري بالرغم من تدريسها ل «24» حصة في الأسبوع، وأقرت أن راتبها لا يفي التزاماتها حتى لأسبوع واحد إلا أنها مضطرة للعمل لجهة تخرجها قبل خمس سنوات من كلية القانون وحال ضيق اليد بينها وبين امتحان معادلة القانون، وأكدت أن جميع المدارس الخاصة بمنطقتهم تصرف لعامليها ذات المرتب الضعيف جدًا لذا قبلت الأمر على مضض. وعندما نقلنا الأمر لرئيس اتحاد المدارس الخاصة حسن أحمد علي بيَّن أن لائحة التعليم الخاص لعام 2011 عالجت المسألة وعملت بالحد الأدنى لعمال التعليم بالدولة، بجانب عدم إغفال الخبرة. انهيار المرتبات قبل نصف الشهر تساءل الكاتب الصحفي الفاتح جبرا في عموده المقروء ساخر سبيل «هل حيجي يوم يصمد المرتب حتى يوم 15 في الشهر؟».. «هل حيجي يوم قروش المعاش تغطي مصاريف «5» يوم للمعاشيين؟» وختم عموده: «ما أظن دا يحصل » وعندما هاتفناه اعتبر أن الحد الأدنى للأجور«165» جنيهًا والذى يغطي 12% فقط من متطلبات المعيشة يفتقر للعلمية و للموضوعية أيضاً، لجهة عدم وضع النسبة ومقارنتها بحجم الأسرة! وطرح سؤالاً هل مبلغ 165 جنيهًا يكفي أسرة مأكل أسرة صغيرة ومشربها وعلاجها؟ وقال: وماذا عن المتزوج «مثني وثلاث» وأكد أن هنالك عجزًا تامًا في ميزانية الأسر ومفارقة بين الدخل والمنصرف، وبين أن تغطية العجز هذا غالباً ما يأتي من الممارسة الخاطئة ببيع الذمة، واستشراء الفساد، وأضاف أن التدهور الأخلاقي يأتي نتيجة للتدهور الاقتصادي ويكوّنا متلازمة تؤدي إلى الفساد المجتمعي واقتراف الخطأ مثل إفساد المواسم الزراعية بالتقاوي الفاسدة وإقامة المشروعات التي تكلف المليارات من غير مواصفات بالإضافة للمخصصات الخيالية للوزراء والدستوريين والناتج شكاوى من المجتمع من الانحلال وكثرة الإجرام، واعتبر جبرة أن الحل يكمن في إصلاح اقتصادي في الدولة نفسها، وأردف أن الحل يكمن في محاربة الفساد الحكومي والإداري وإعمال الشفافية. «ممكون وصابر»!! بالرغم من أن الحد الأدنى لأجور الصحفيين هو «670» جنيهًا إلا أن أحد الزملاء أكد تقاضيه «400» جنيه فقط في الشهر بالرغم من احترافه للمهنة «القيد الصحفي»، وشكا من لعب مجلس الصحافة واتحاد الصحافيين دور المتفرج ما دفع إدارات الصحف لمنح منسوبيها أقل من الحد الأدنى للأجور، وعزا عدم مطالبته بزيادة راتبه خشية الاستغناء عن خدماته فى مقابل ضيق فرص العمل، وقال إنه في حالة استدانة مستمرة. نقلنا الأمر لرئيس اتحاد الصحفين د. محيي الدين تيتاوي الذى أكد أن قانون الصحافة يُلزم الصحف بدفع الحد الأدنى للأجور كشرط أصيل من شروط تسجيل الصحيفة، وطالب مجلس الصحافة بمتابعة هذا الشأن، وعاب على معظم الصحفيين موافقتهم على أي وضع وعدم توقيعهم لعقود مع الصحف ونبه تيتاوى إلى أن الغالبية العظمى من الصحف مؤسسات خاصة، مايصعب إجبارها على تطبيق قرار زيادة الأجور، لذا فغالباً ما يكون العمل فيها بتراضي الطرفين ولا يلجأ الصحفي للمطالبة بحقوقه إلا بعد فصله، لذا قام الاتحاد بإجبار الصحف على إخطارهم قبل شهر من قرار فصل منتسبيهم، حتى يتفاوضوا معهم في الأمر فإن استطاعوا إثناءهم فخير وإلا فيجب تسليمهم حقوقهم كاملة. اختلال الأجور يرى مراقبون وجود اختلال كبير في الأجور وفوضى في تقدير وتقييم المرتبات في القطاعين العام والخاص وعابوا على الحكومة عدم توصولها لقانون موحد لتحديد الحد الأدنى للأجور والأعلى له لعمال ذات المؤسسة مع عدم وجود جهة لمراقبة تطبيق القوانين واللوائح التي تنظم الأجور، ووصلت التلاعبات لدرجة مفارقات في أجور من هم في درجة واحدة، ولا توجد نسبة عدلية بين الأجر ومقدار العمل ولا مقارنة بين الأجر والحالة المعيشية، بجانب استئثار وزارات ومؤسسات عامة دون غيرها بأجور عالية وأن المكافآت والحوافز والمنح والبدلات والنثريات بها تعادل أضعاف المرتبات التي يتقاضاها العاملون فيها، وأصبح عرفًا بين العامة أن العاملين بالمؤسسات الاقتصادية لا يأبهون لمرتباتهم في نهاية الشهر بسبب ضخامة ما يحصلون عليه من الحوافز والمكافآت والنثريات وغيرها. تدابير حكومية ولكن ... !! اعتمد القطاع الاقتصادي بمجلس الوزراء في اجتماعه في الشهر المنصرم برئاسة وزير المالية علي محمود، جملة من التدابير للحد من ارتفاع الأسعار ودعا القطاع إلى توجيه السياسات العامة لزيادة إنتاج السلع الأساسية في إطار البرنامج الثلاثي لاستدامة الاستقرار الاقتصادي من خلال زيادة الصادرات غير البترولية وإحلال الواردات والعمل على تشجيع القطاع المصرفي على تمويل الأنشطة الإنتاجية، وأجاز القطاع البرنامج التنفيذي الذي اعتمدته ولاية الخرطوم لمعالجة تصاعد الأسعار، وطالب والي الخرطوم برفع الجمارك والضرائب عن «12» سلعة ضرورية، بالإضافة لإنشاء إدارة لتحصيل الرسوم بدلاً من المحليات وإلغاء بعضها، وتوطين الإنتاج، وكان د. الخضر قد أقر بشح الحبوب الزيتية والخضروات، وقد عزا زيادة الأسعار إلى ارتفاع الدولار مقابل الجنيه، الا أن كل هذه التدابير لم تجعل المرتب يصمد لأسبوع فقط تجاه ارتفاع الأسعار. الزوغان نائب رئيس اتحاد العمال الجنيد أحمد صالح سألناه في ظل انشغال رئيس الاتحاد بروفيسير إبراهيم غندور بالعمل السياسي عن قضايا العمل سألناه عن ردة فعل الاتحاد تجاه تصريح المجلس الأعلى بخصوص الأجور والمعالجات التي يمكن ان يتبناها الاتحاد فقال: «هذا ليس أمرًا جديدًا فنحن متفقون مع المجلس الأعلى للأجور».. ثم قطع المحادثة طالبًا مني معاودة الاتصال بعد ثلث ساعة ولكنه لم يستجب عندما فعلنا.