جاء في الأثر أن الله سبحانه وتعالى بعث ملكاً وأمره أن يخسف بقرية.. فقال الملك: يا ربي إن فيها فلان العابد!! قال الحق عزّ وجل: «به إبدأوا فإنه لم يتمعر وجهه قط في يومٍ من الأيام غضباً لله» أو ما في هذا المعنى في روايات كثيرة رواه ابن عبد البر وفيه سفيان بن عيينة وسفيان بن سعيد. وهذا رجل شغلته نفسه وعبادته عن تفقد أحوال الناس ونصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وكان يرى المنكرات فيمر بها وكأنها لا تعنيه. فلا يتغير لها وجهه ولا يستنكرها.. ويظن أنه بمنجاة بسبب عبادته وانشغاله بالصلاة والذكر والدعاء. يا عباد هذا الزمان إعرضوا أنفسكم على هذا الأثر فلو أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يخسف بقوم وأنتم فيهم فبمن سيبدأ.. الإجابة عندكم!! فلا تخدعوا أنفسكم. وهل تذكرون من أول من تسعر به النار يوم القيامة؟ إن من أول من تسعر به النار يوم القيامة رجل آتاه الله العلم وعلمه القرآن فجيء به فعرفه نعمه فعرفها.. فقال ما عملت فيها؟ قال علمت فيها العلم وقرأت فيها القرآن. قال بل فعلت ليقال قارئ وقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه في النار. فيا أهل العلم.. ويا أهل الدعوة.. ويا أهل العبادة قفوا وتأملوا.. واعلموا أنكم مسؤولون .. مسؤولون عن أمور كثيرة مرت بكم.. ولم يقل أحدكم فيها كلمة أو عبارة .. دعك من أن يتمعر وجه أحدكم غضباً للَّه. جاءت الإنقاذ بدستور 1998 وهو دستور علماني أقر شتات الأمة ونفرتها وجاء بالأحزاب التي ذمها الله سبحانه وتعالى في مواقع.. وجاءت فيه المادة «19» من المبادئ الموجهة التي نفت صفات الإيمان والإسلام عن حاكميتها والزاميتها في الحياة السياسية.. ولم يتمعر وجه أحد منا إلا من رحم اللَّه. وجاء بالمادة «37» المتعلقة بشروط رأس الدولة والتي أباحت أن يكون رأس الدولة رجلاً أو امرأة مسلماً أو كافراً.. ولم تشترط له من شروط العلم والعدالة وسلامة الحواس والأعضاء ما أجمعت عليه الأمة. ثم جعل دستور 1998 المواطنة أساساً لجميع الحقوق والواجبات، ولم يفتح الله على أحد منا بكلمة أو عبارة إلا من رحم الله، وإلا ما كان من أمر الشيخ عطية محمد سعيد عندما وقف وصدح بكلمة الحق وقال بالصوت الجهير هذا دستور علماني.. وصدقه.. فيما يشبه الهمس رجل آخر من أهل العلم قائلاً: أما شيخ عطية فقد برأ ذمته. كل ذلك ولم تتمعر وجوه ولم تحمّر أنوف ولم يغضب أحدنا للَّه. ثم جاءت نيفاشا وأقرت العلمانية وجاءت برجل كافر ليجلس في القصر تحت مفهوم المساواة المطلقة باسم المواطنة.. وأقرت نيفاشا علمانية الحياة..ولولا لطف الله وحسن تدبيره لأصبح لنا رئيس نصراني دون أن يجرؤ أحدنا على النطق ببنت شفة وتوالت الأحداث.. وتوالى لطف الله علينا وصوت أهل الجنوب للانفصال ولولا ذلك لألغيت الشريعة جهاراً نهاراً ولفتحت البارات والمواخير ولما تجرأ أحدنا على أن يرفع الأذان .. أو التكبير.. وعطلت الشريعة طيلة ربع قرن من الزمان ولم يتمعر وجه أحد من أهل العلم ولا أهل الدعوة ولا العبادة.. فمعرت وجوه أقوام من جهات السودان الأربع لما هو دون الشريعة من حظوظ الدنيا وحظوظ القبيلة وحملوا السلاح.. وضغطوا الآلات وازهقوا الأرواح وكوفئوا بالجلوس في مقاعد الحكم وفي البرلمان.. ولم يتمعر وجه أحد من أهل العلم ولا أهل الدعوة ولا أهل العبادة.. لم يتقدم أحد منكم يوماً بمذكرة ولا احتجاج ولا حتى رجاء. نهبت الأموال.. وظلت تنهب ويعيث المفسدون في الأرض كما يشاءون وطيلة ربع قرن من الزمان .. ولم يغضب منا أحد ولم يتمعر وجهه ولم يحمر أنفه.. وانفلت الشارع وانفلت الإعلام واستشرى التبرج والتفسخ والإنحلال وحفلات رأس السنة الماجنة ولم يتمعر وجه ولم يحمر أنف.. ولاكت الألسن سيرتنا في شرق الدنيا وغربها واصبحنا أضحوكة.. ولم يتمعر وجه ولم يحمر أنف.. وتغيرت فتياتنا أكثر من واحدة واكثر من مرة وذلك علناً وجهراً ولم يتمعر وجه ولم يحمر أنف.. حتى جاءت حكاية أبرار الهادي.. التي اقتيدت رغم قرار محكمتين بأنها أبرار الهادي محمد عبد الله اقتيدت في معية دبلوماسي كافر بجواز يحمل اسمها المسلم ورأيناها في القنوات والبابا يضع يده على رأسها.. ولم يتمعر وجه أحدكم ولم يحمر أنفه.. ولم ترسل مذكرة ولم تخرج مسيرة .. بل ولا حتى لقاء مكاشفة أو مناصحة .. ولا زلتم تعمهون وتشربون وتباضعون.