حرصت على استعمال (إنَّ) و (لكن) في عنوان مقالتي.. فالأولى حرف توكيد والثانية حرف إستدراك، ولا يخفى المعنى على فطنة القارئ الكريم، نعم كلاهما حرف نصب من الناحية اللغوية النحوية.. أؤدي صلواتي الخمس- ولله الحمد- بمسجد الأمان مربع 3 شمبات والذي وصفه الشيخ الياقوت- والعهدة على رأوي الحديث- خاله أخونا عوض السيد بأنه (ناسو دمهم خفيف) يقصد مرتادي المسجد فهم متحابون لا تسمع لهم صوتاً ولا بينهم شجاراً.. أما الجمعة فأؤديها في المسجد نفسه مع الشيخ الحافظ لكتاب الله مولانا محمد دفع الله.. وأعرج أحياناً على مسجد حمزة بن عبد المطلب ليؤمنا (السلفي) الخلوق شيخ عمر، وأحياناً مسجد الرحمة مع الشيخ، عبد الباسط، والذي يخاطب المصلين ب (السادة.. الأماجد) ومترادفاتها فما أعذب الخطاب!! وإذا تعمدت الخروج متأخراً فذلك يعني أني أقصد مسجد الشيخ المختار، بصورة أكثر وضوحاً أنوي الصلاة مع ابني (سفيان) محمد الراجل الشهر بسفيان الخنجر، والصلاة خلف سفيان لها طعم ولون ورائحة من المسك أطيبه إلا أزكيه على الله.. ففي حالات لا شعورية تجد إنك بين النحيب والبكاء، وكثيراً ما نسمع صيحات المحبين عندما يأتي سفيان على ذكر الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم). محمد المبعوث للناس رحمه.. وما الناس إلا هالك وابن هالك تداركهم منه الهدى فاهتدى الذي* أجاب ندا ذاك الهدى المتدارك صلى الله عليك يا حبيبي يارسول الله. الجمعة 21 مارس حدثنا سفيان عن تلك الغزوة (مؤتة) التي أدرك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خطرها فاختار لها ثلاثة من رهبان الليل فرسان النهار، ثلاثة من الذين زهدوا في الدنيا وباعوا الله أنفسهم فلم يعدلهم مطمع ولا أمنية إلا (الشهادة)، يقتفون أثرها محبة لله ومرضاة سبيله مشرئبين إلى وجهه الكريم، وجاء ترتيبهم كالآتي: زيد بن حارثة ذلك الصحابي الذي حمل دون سواه لقب (الحِب) حِب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سفيان وكأنه يعيش بين تلك الكوكبة، يروى أن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وقف يودع الجيش ويُلقي أوامره.. عليكم زيد بن حارثة فإن أصيب فجعفر ابن أبي طالب.. فإن أصيب فعبد الله بن رواحة.. وعلى الرغم من أن جعفر ابن عمه وكان أقرب الناس إليه، وعلى الرغم من جسارته وحسبه ونسبه جعله ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأمير الثاني لزيد، وجعل زيداً ذلك الآدم (شديد السواد) أفطس الأنف.. الأمير الأول للجيش!! أليس هو الحِب ابن الحِب رضي الله عنهما وأرضاهما.. يروي سفيان- والدموع سيل بين مقلتيه.. والمصلون في صمت ومتابعة.. يروى سفيان وصوته يتحشرج كيف أن زيداً يضرب ويقاتل، لا يطوح رؤوس مقاتليه فحسب، إنما يفتح الأبواب التي تحول بينه وبين الباب الكبير الذي سيدلف منه إلى دار السلام.. جنة عرضها السموات والأرض.. كانت روحه في طريقها إلى الجنة تبتسم ابتسامتها المطمئنة وهي تُبصر ثاني الأمراء جعفر يندفع كالسهم صوب الراية ليتسلمها قبل أن تغيب في التراب... حارثة الوالد العزيز يخر صعقاً عند سماع النبأ ويردد في حزن بالغ، راح ينشد من بديهته ومن مآقيه: بكيت على زيد ولم أدر ما فعل* أحيُّ فيُرجى؟ أم أتى دونه الأجل.. فوالله ما أدري، وإني لسائل* أغالك بُعد السهل؟! أم غالك الجبل تُذكرنيه الشمس عند طلوعها* وتعرض ذاكراه إذا غربها أفل وإن هبت الأرواح هيجن ذكره* فيا طول ما حزني عليه، ويا وجل جاء جعفر بن أبي طالب إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) آخذاً مكانه الرفيع بين المؤمنين المبكرين، وأسلمت معه زوجه أسماء بنت عميس (لعظم وجلالة قدرها نفسح لها مساحة خاصة بإذن الله). يواصل سفيان الرواية بين دموعه ونحيب المصلين، ما كادت الراية توشك على السقوط من يد زيد حتى تلقاها جعفر باليدين، ومضى يقاتل بها أقواماً عتاة مهرة في الحروب.. وعندما تكالب عليه الأعداء نزل من فرسه وراح يصوب سيفه نحو أعدائه، وانطلق وسط صفوف الروم يدمدم كالإعصار وصوته يتعالى بهذه الأبيات المتوهجة: يا حبذا الجنة واقترابها* طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها* كافرة بعيدة أنسابها عليِّ إذ لاقيتها ضرابها تضرب يده اليمني فيمسك الراية بعضده، وتضرب اليسرى فيمسك الراية بعضديه.. يمضي في سبيل الله ويجئ ابن رواحة ليحمل الراية من بين عضدي جعفر الطيار!!. واسمعوا لقول سفيان لما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذا المشهد وجعفر يلفظ أنفاسه الأخيرة (لقد رأيته في الجنة له جناحان مضرجان بالدماء مصبوغ القوام) في الخالدين جعفر الطيار كادت القلة المسلمة تتوه بين جيش هرقل عليه لعائن الله.. كان عبد الله بن رواحه كجندي يصول ويجول وسط الأعداء لكنه الآن- والرواية لسفيان- صار أميراً وعن جيش المسلمين مسؤولاً، وقد بدأ أمام ضراوة الروم كأنما مرت به لحظات تردد، لكنه ما لبث أن استجاش وقوَّى المخاطرة في نفسه وصاح بتلك الأبيات التي ترددها كل متحركات الدفاع الشعبي على أيامنا هذه، والذين باعوا أنفسهم على نفس المنهج رفع راية (لا إله إلا الله) أقسمت يا نفسي لتنزلن* لتنزلن أو لتكرهن قد أجلب الناس وشدوا الرنة* مالي أراك تكرهين الجنة؟ بينما كان القتال يدور في أرض الشام كان (صلى الله عليه وسلم) يجلس مع أصحابه يحادثهم ويجادلونه، فجأة يصمت الرسول الكريم ويسبل جفنيه ثم يرفعهما لينطلق بريق ساطع يبلله في أسى وحنان.. وقال (صلى الله عليه وسلم) والراوية في المسجد لسفيان- بارك الله في أيامه- أخذ الراية زيد فقاتل بها حتى قتل شهيداً ثم جعفر فقتل شهيداً فصمت قليلاً وهو يدمع- أي سفيان- ثم أخذها عبد الله بن رواحة- أي أخذ الراية- فقاتل بها حتى قتل شهيداً.. وكانت خير تحية خرجت لتوجه لذكراهم الخالدة كلمات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذه (لقد رفعوا إليّ في الجنة!).. في الخطبة الثانية الشيخ الوقور (سفيان) يرفع عقيرته على الشيوعية الملحدين وعلى العلمانيين وعلى الشيعة الرافضة شاتمي أصحاب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.. إلى أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة بنت الصديق التي برَّأها الله من فوق سبع سموات، هؤلاء الذين يفترون على الله الكذب يضيف اليهم ابننا العالم المفوه والفقيه المتصوف يضيف إليهم (الوهابية).. وبعد الصلاة مباشرة حرصت على مخاطبة ابني سفيان لأقول له ولمريديه ومريدي الشيخ المختار، وهم والله أحبة في الله.. أقول لهم: عندما تباعد الزمن بالناس وعن منهاج النبوة بسبب بعدهم عن العلم الشرعي، ظهرت أعلام للبدع والخرافات والوثنيات تذكِّر بما كان عليه العرب قبل الإسلام، فقيض الله سبحانه وتعالى لأرض الحرمين عالماً جليلاً هو الإمام محمد بن عبد الوهاب.. جعل الله الفردوس متقبله ومثواه، فقد نذر نفسه لتجديد الدين ومفهوم العقيدة لإقامة التوحيد، وإحياء ما أندرس منه فهدى الله بمذهبه (الوهاج) من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وظهرت وارتفعت مرة أخرى أعلام السنة المطهرة وعقيدة السلف الصالح عليهم رضوان الله آمين. حاشية: ابني أخي سفيان الخنجر لا أزكيك على الله، واذكرك ونفسي بأن النظام العالمي الصهيو صليبي يستهدف أمتنا وتراثنا وأرضنا، وبالضرورة عقيدتنا يستهدفنا نحن أهل القبلة.. دعونا صوفية سمانية- قادرية- شاذلية- وسلفية- ووهابية وأخوان مسلمين- وحركة إسلامية وبرهانية- وعزمية ومكاشفية إلى آخر مسميات من قالوا: القرآن دستورنا والله غايتنا- والرسول قدوتنا- والجهاد سبيلنا- والموت في سبيل الله أسمى أمانينا. دعونا أخي ابن سفيان أن نأتي إلى كلمة سواء نسدد ونقارب ونتجادل بالتي هي أحسن.. رافعين راية إلا إله إلا الله محمد رسول الله عالية خفاقة دونها المهج والأرواح.. عندها سننتصر موعودين تصديقاً ووفاء يقوله تعالى، «يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم» صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين، والله أكبر والعزة للإسلام والنصر قادم للمسلمين بإذن الله.