لا أحد ينكر أن حالة الاستقرار والطمأنينة التي شهدتها ولايات دارفور، هي من ثمرات وثيقة الدوحة للسلام لا سيما الترتيبات الأمنية التي هي الحائط الذي يؤمن الوثيقة والداء الذي يضع حداً لتسوية أزمة الاقليم المتطاولة، وأن اتفاقية الدوحة وما نتج عنها من هياكل تنفيذية على رأسها السلطة الإقليمية، تمثل هدفاً لكل متربص بعملية السلام وإذا انهارت السلطة الإقليمية سينهار بعدها كل شيء، وليس خافياً أن نشاطاً ممنهجاً لإدخالها في دائرة الفشل لأنها تشكل خطراً على خطاب التمرد وتهدد مصالح دعاة الفتنة في دارفور!!. أشد ما أخشاه أن تكون أجندة المتآمرين على سلام دارفور اتفقنا أو اختلفنا حوله، تتخفى في جلباب الصراعات وأن استقالة السيد تاج الدين بشير نيام وزير إعادة الإعمار والتنمية والبنى التحتية بالسلطة الإقليمية، والتي دفع بها الى رئيس الجمهورية ليست بمستثناة من ذلك، وقد قرأت نص الاستقالة والحيثيات التي أوردها في سبع أوراق «A4» ولكنني لم أستطع أن أضعها في توصيفها العلمي الحقيقي إن كانت شكوى أم استقالة؟!. وأظنها شكوى برجاءاتها الكثيرة، وإنني شخصياً أعرف تاج الدين منذ أن كان موظفاً في منظمة الدعوة الإسلامية ثم الانتقالات الكبيرة التي طرأت على حياته فهو رجل رزين ومؤدب، أقول ذلك حتى لا أجرده من تاريخه ولكن في ظل التقلبات التي حدثت وصراع المصالح والنفوذ أخشى أن يكون غرر به، أو أن أصابه خلل جراء حديث البعض حول صندوق إعادة الإعمار والتنمية ومفوضية العودة الطوعية، وأنه جزء من وزارته في حين أن الصندوق كيان منفصل عن الوزارة تأتيه الأموال ثم يصرفها على مشروعات تقدمها الوزارة، ولكن لا قوامة أو حاكمية لوزارة نيام على صندوق الإعمار، ويبدو أن الخلط هذا هو ما جعل نيام يختار طوعاً هذه الوزارة إبان «فرتكة» وزارات السلطة وإعاد تشكيلها، باعتبار أن «الصندوق» تحت سلطته لكنه تفاجأ بالواقع!!. أما حديث نيام عن تداخل الاختصاصات بين الوزارات والمفوضيات في المرسوم الجمهوري الخاص بتأسيس السلطة العام 2011م، فهذا يؤكد أن الاستقالة أوالشكوى لها علاقة عضوية مباشرة بهذا الصندوق الذي ذكره «نيام» في حيثيات الاستقالة أكثر من مرة، محتجاً على عدم تعيين رئيس الصندوق على أهميته باعتباره الوعاء الذي يصب في كل مستحقات التنمية، لا أعتقد أن هناك مبرراً للاحتجاج، لأن الصندوق أسس بقرار جمهوري ولديه لجنة مشرفة تضم الوزراء والمفوضين من السلطة ومديري مالية الولايات فلماذا الاحتجاج من نيام وحده الذي ثار وغضب ولم يصبر على اسداء الرأي والمشورة في مؤسسة ظل هو الأقرب لرئيسها الدكتور السلطان التجاني سيسي وعرابها الأول؟ فما أن تجد السيسي إلا وتجد نيام بجواره لكن أن يكتشف مؤخراً نيام بأن المؤسسة التي ظلت مقدسة عنده طيلة المرحلة الماضية هي اليوم تعمل بلا شفافية ودون التزام أو تنسيق بين أعضائها، فهذا الأمر يسأل عنه تجاني نيام شخصياً فهو الذي ظل يشغل مهام غيره دون أن يسأله أحد، وشهدنا ذلك عندما اندلع الصراع بين الرزيقات والمعاليا فبدلاً من أن يذهب مولانا عبد الحميد أحمد أمين مفوض الحقيقة والعدالة والمصالحات ذهب «نيام» وعسكر في الضعين يرافقه عبد الكريم موسى وزير الإعلام والثقافة والسياحة بالسلطة، ذهب «نيام» برغم أن الملف لا يخص البنى التحتية أليس هذا هو التداخل وعدم الإلتزام بالمهام الذي يتحدث عنه الرجل في حيثيات شكواه!!. مولانا عبد الحميد أحمد رجل كفاءة فهو أول أمين لديوان الزكاة ثم أنه قانوني وخبير بالمصالحات، أما عن وزارة «نيام» فإن كل النجاحات والخرط والدراسات التي تمت قام بإعدادها المهندس فيصل حسن منصور، وهو أيضاً شخصية مهنية ومقتدرة كان أول السودان في يوم من الأيام عكف على كل تفاصيل الذي تم، أما «نيام» فقد اكتفى بمرافقة «السيسي» في رحلاته الخارجية الى روما وأمريكا وغيرها من دول العالم ولم يحتفظ بالوصف الوظيفي الخاص بوزارته، واليوم هو أول من يشكو وهو أول من يخترق التنسيق والتعاون بين القيادة والادارة والقواعد. إن الطريقة التي وضع بها حيثيات انسحابه من المشهد الذي رسم خارطته في دارفور، لا تعبر سوى أنها أشواك وتعقيدات على جدار الأزمة ونفض يد عن مشوار قطع شوطاً بعيداً بمعاونة دولة قطر، كما أن الخطوة فيها احراج لدولة قطر وقيادتها الرشيدة، انني أشد ما أخشاه أن يكون ما يجري صراع شخصي وطموح زائد بعيد كل البعد عن مصالح أهل دارفور الذين عركتهم الحرب وآلتها المدمرة، وأدعو الأخ نيام بأن يعي خطورة الأمر وأن يمضي على النهج الذي عليه الوزير النشط بحر إدريس أبو قردة وزير الصحة الاتحادي، الذي ظل يعمل بوطنية وتجرد لم يتقدم باستقالة أو يتلجلج عندما أدار معركة شرسة مع وزير الصحة بولاية الخرطوم الدكتور مأمون حميدة حول المستشفيات وتفريغ وسط العاصمة وتحويل المستشفيات القومية بالخرطوم الى مستشفيات تتبع لسلطة الولاية، فأبو قردة ظل يعمل بمهنية وفق مطلوبات وزارته وإرشادات طاقمها الفني ولم تتقاطع مصالحه الخاصة مع المصالح الكلية للإقليم مع الوزارة، وبدوري هنا أسأل السيد نيام الذي ظل وزيراً لمدة تجاوزت العامين، ما الذي قدمه من عمل في أرقام وسطور موثقة بالمعلومات بعيداً عن الحديث العام؟!! دارفور يكفيها جراحات ومرارات الماضي وليست مهيأة لمعارك شخصية حول صندوق أو مفوضية، فقط هي مهيأة لفتح الطرق والمسارات أمام المنتجين من الزراع والرعاة والمستثمرين، فإن خيرها وفير وأراضيها خصبة وبكر وتحمل مواردها فوق وتحت أرضها!!. في المقال القادم نواصل حول المسكوت عنه في حكايات رجال السلطة الكبار!!.