لزميل المهنة الأخ النبيل جمال عنقرة رئيس تحرير صحيفة «المستقلة» عبارة موحية درج على تردديها كلما كتب عن الإخوة الأعزاء الذين جمعت بينهم رابطة الانتماء للحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة.. وهي وصفه للمراحل السابقة للوصول الى السيطرة على مقاليد الحكم والسلطة، على النحو الذي قامت به هذه النخبة لدى إقدامها على الانقلاب الثوري المدني والعسكري الذي نجحت فيه عام 1989م، وظلت مستمرة في ذلك بهيمنة منفردة ومتواصلة منذ ذلك الحين.. بأنها كانت هي المراحل المعبرة عن «أيام الصفاء» التي صارت ضحية للسلطة، وأضحت منصرمة ومنحسرة ومفتقرة ومفتقدة في المرحلة اللاحقة لما جرى بعد النقلة الكبرى المتمثلة في الحصول على ما نتج عن التمتع بالهيمنة والسيطرة المنفردة بالاستيلاء على سدة مقاليد الحكم، وما أدى له وأفضى إليه من صراعات برزت بعده، وظلت محتدمة ومتفاقمة وسافرة وشاخصة ومتصاعدة في تطورات متعاقبة ناجمة عنه، وأتت كظاهرة مائلة وواضحة وفاجعة وصارخة لدى كل من أجال النظر والبصر وهو شهيد على التجربة القائمة والراهنة، وما نبع منها ونتج عنها وترتب عليها في هذا الصدد وبهذا الخصوص. وبناء على مثل هذا الإطار للرؤية المتعمقة والمتمعنة في السياقات والتطورات والمجريات المتصلة بالتجربة السائدة والمؤثرة على طبيعة العلاقة الأخوية القائمة على الانتماء للحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة.. وما ظلت تتعرض له من تأثيرات بالغة الحدة وشديدة الوطأة عليها في المراحل اللاحقة للوصول إلى سدة مقاليد الحكم والسلطة الراهنة، كما جرى بعد النجاح الذي تحقق للانقلاب الثوري المدني والعسكري الذي أقدمت على القيام به ونجحت فيه وظلت محافظة عليه.. فربما قد يمكن ويجوز القول إن الرحيل الحزين للفقيد الكبير المرحوم د. محمد مندور المهدي، الذي جاء رحيله يوم الجمعة الماضي بعد معاناة مع وعكة صحية كانت قد ألمت به منذ فترة، ربما قد أتى بمثابة فجيعة مؤكدة للشعور بالخسارة الفادحة لدى كل من تعرف عليه، وارتبط به بصلة معبرة عن العلاقة الأخوية الصادقة والصافية والمخلصة. وبكلمة واحدة فقد كان الفقيد الكبير المرحوم د. محمد مندور المهدي يمثل، لدى كل من تعرف عليه واتصل به وعمل معه، رمزاً لأيام الصفاء في العلاقة الأخوية التي كانت قائمة وجامعة للإخوة الأعزاء الذين ربطت بينهم أواصر الانتماء للحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة. ولعل من التصرفات التي كانت لافتة في الممارسة المعبرة عن الشخصية الفذة التي تميز بها الفقيد الكبير المرحوم د. محمد مندور المهدي، والدوافع الكامنة التي كانت محركة له لدى التعبير عنها، أنه عندما اضطر للصرف على التكلفة الباهظة للمعالجة من الوعكة الصحية التي ألمت به وعانى منها في الفترة الأخيرة، لم يتردد لحظة واحدة في أن يقدم على القيام ببيع الشقة السكنية الوحيدة التي امتلكها قبل أن يقوم ببيعها بهدف الاستفادة من ثمنها في الصرف على تكلفة العلاج الذي سافر من أجله إلى العاصمة البريطانية لندن أكثر من مرة.. وقد حدث مثل هذا التصرف كممارسة معبرة عن النزاهة السامية والنابعة عن نخوة أبية ونفس سجية معروف عنها أنها منتمية لأسرة رفيعة المستوى في العراقة والكفاءة المؤهلة والممتدة من ربها إلى رب الأسرة الفقيد الوطني الراحل د. مندور المهدي الذي كان من كبار علماء التربية والتعليم المؤسسين لمعهد بخت الرضا لتدريب وتأهيل المعلمين. وتجدر الإشارة، أخيراً وليس آخراً، إلى أن الفقيد الكبير المرحوم د. محمد مندور المهدي، كان قد نشط في الفترة السابقة للوعكة الصحية التي ألمت به وعانى منها، في السعي للمشاركة الرائدة والفاعلة في الدعوة لإعادة المياه إلى مجاريها في صفوف النخبة الممثلة للحركة الإسلامية السودانية الحديثة والمعاصرة والمؤسسة للسلطة الحاكمة القائمة والراهنة.. حيث سعى لإعادة الوحدة المستندة إلى الصفاء والمرتكزة عليها، كما عمل على المساهمة الفاعلة والرائدة في الدعوة للمعالجة الناجعة والهادفة لتجاوز الصراعات والخلافات المهلكة والساحقة والمدمرة الناتجة عما نجم عقب الوصول إلى سدة الحكم والسلطة وما ترتب على ذلك في المراحل المنصرمة منذ ذلك الحين. وبناء على هذا، فإن السؤال الذي يفرض ويطرح نفسه بقوة في ظل الفاجعة الناجمة عن الرحيل الحزين للمرحوم د. محمد مندور المهدي سيكون هو: هل سيتم الوفاء لما سعى له من جانب الإخوة الذين ارتبطوا به وعرفوا فضله؟ نرجو هذا، ونأمل فيه ونعمل له.. ونسأل الله أن يتقبل الفقيد الكبير ويشمله بواسع رحمته مع الأولياء المخلصين من الصديقين والشهداء.