يقال في العبارة المشهورة «عشم إبليس في الجنة».. يحق لنا أن نصف بهذه العبارة الأماني التي تمنّاها الدكتور صلاح الدين الشيخ الخنجر في مقال له نشر في الأيام الماضية بعنوان: «الوهابية أكبر مهدد للأمن الفكري والاجتماعي».. ونحن وإن كنّا نتابع المقالات السديدة المستمرة هذه الأيام التي حاصر بها الأستاذُ المذيعُ الأديبُ أيوبُ صديق في ردّه على د. صلاح الخنجر عبر صفحات هذه الصحيفة الغراء لَنُدْرِكُ حجم التعب والمشقة التي يجدها د. الخنجر من هذه المقالات العلمية الرائعة التي يجتهد فيها الأستاذ أيوب صديق على طريقته وأسلوبه في التزام الموضوعية والعلمية في مناقشته التي يحفها حسن الخلق الذي عرف به الأستاذ أيوب، ومهما توقّعنا من ردة الفعل من الدكتور صلاح إلا أننا لم نتوقع أن يخرج بمثل هذا المقال الذي حمل جهالات كبيرة ومجازفات خطيرة واتهامات باطلة شنيعة وأوهام ساذجة وأمنيات لم يطمح إلى مثلها إبليس الذي علم أنه ليس له في الجنة مكان فاكتفى بطلبه «قال أنظرني إلى يوم يبعثون». من عجائب ما يكتب ويقرأ ما سطّره الخنجر في مقاله المذكور فقد ورد فيه على سبيل المثال قوله: «وقد بلغ عدد الاعتداءات على الأموات ما يزيد على 15 حالة وذلك لجس النبض فقط فإذا لم يتنبه الناس لخطرهم سيكون المستقبل مظلما والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها. والمتهم الأوحد في حرق الأضرحة والقباب هم الوهابية لأن التاريخ والواقع والعقل والنقل يقول ذلك ومن أصدر الفتاوى لا بد أن يتحمل تبعاتها». قلتُ: لا أدري هل هذا التصريح مصدره لدى الخنجر هو علم الغيب المدّعى لدى عامة شيوخ الصوفية؟! أم أنه الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية؟! ثمّ هل نصدّق الخنجر في قوله: «إن المتهم الأوحد في حرق الأضرحة والقباب هم الوهابية» أم نصدّق رئيس الجمهورية المشير عمر البشير الذي أدلى بتصريح رسمي عقب أحداث حرق بعض الأضرحة بمنطقة العيلفون أن من قام بذلك العمل هو طرف ثالث يريد إيقاع الفتنة بين الطّرفين؟! وهل يستطيع الخنجر أن يثبت هذه الدعوى العريضة الآثمة التي ادّعاها أمام القضاء؟! وأما التاريخ فأقول له: قد تمّ فيه تكسير معالم القبورية وما يبنى على الأموات وهو وصية المصطفى عليه الصلاة والسلام لأمته بأن لا يبقى قبرٌ مشرفٌ إلا تتم تسويته وهذا ما قاله علي رضي الله عنه لأبي الهياج الأسدي وبعثه عليه وبيّن أن النبي عليه الصلاة والسلام بعثه على ذلك والحديث في صحيح مسلم.. قال القرطبي المالكي رحمه الله: «وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم، وأما تعلية البناء الكثير على ما كانت الجاهلية تفعله تفخيماً وتعظيماً فذلك يهدم ويزال، فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبهاً بم كان يعظم القبور ويعبدها، وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال هو حرام، والتسنيم في القبر ارتفاعه قدر شبر، مأخوذ من سنام البعير». لكنَّ هدم القباب التي تبنى على قبور الموتى يقرِّر السلفيّون وهو من البدهيات المعلومة عنهم أن هدمها يكون بإذن ولي الأمر فهي من المنكر الذي يزيله السلطان وليس لأفراد الناس القيام بذلك، وقد بيّنت ذلك في عدة مقالات نشرت بهذه الصحيفة منها مقال «السلفيون والقباب» على الرابط :http://cutt.us/qJAd وكان آخرها مقال «تعليق على خبر حرق أضرحة بأم درمان» على الرابط http://cutt.us/yUupS ، وأما قول الخنجر : «ومن أصدر الفتاوى لا بد أن يتحمل تبعاتها».. فأقول له: وأين هي فتاوى أهل العلم السلفيين التي تجيز للأفراد وعامة الرعية تغيير منكر البناء على القبور بحرقها أو تكسيرها دون إذن الحاكم أو توجيهه؟! ويصرّ الخنجر على افترائه الذي لم يستح فيه حيث قال: «وفيما يتعلق باعتدائهم على أضرحة ومقامات الصالحين فنحتاج إلى موقف صلب لأن الضرر لا بد أن يزال كما يقول الأصوليون وطبعاً لأنهم جبناء ينكرون ذلك في المحافل والمؤتمرات ولجهات الاختصاص حتى يخدعوا العامة بأنهم مسالمون»، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن«.». أقول: نتمنى من الجهات المختصة في وزارة الداخلية أن تخرج بيانات في الأحداث التي حدثت من حرق وتكسير لبعض الأضرحة ، وتقوم بنشر نتائج التحقيقات ليتضح من هم الجناة فعلاً!! ومقال الخنجر المذكور كل سطر فيه هو بحاجة إلى تعليق ورد، لكني أكتفي بالتعليق على القضايا العامة والأهم؛ فقد جاء في ختام المقال قوله: «لا بد أن ننظر إلى الفكر الوهابي بأنه دخيل على بلادنا وليس جزءاً من مكونات مجتمعنا المعروفة للقاصي والداني، وقد استغلوا المنابر لتضييع الهوية السودانية والقضاء على مكونات ومرتكزات المجتمع مستغلين في ذلك العمل الإنساني عبر المنظمات والجمعيات وكذلك التحالف السياسي، وكما أغلقت مراكز الشيعة الثقافية لا بد من حملة شاملة نسميها حملة التحصين والوقاية ضد الشلل الفكري الوهابي والمجمع الصوفي العام ينظر إلى الوهابية والشيعة بأنهما سواء في البغي والعدوان والتطرف، فماذا بعد الحق إلا الضلال». وأعلّق بإيجاز على هذه الجزئية من المقال في النقاط التالية: أولاً: كاتب المقال قبل غيره يعلمون أن السلفيين يتبعون النبي عليه الصلاة والسلام وطريقتهم وما يدعون إليه خير برهان على ذلك، فهم ليسوا بحنبلية ولا وهابية ولا خامسيّة وإنما يقتفون أثر خير البرية ثم يتبعون علماء المسلمين فيما أصابوا فيه ولا يتبعونهم في ما أخطأوا فيه، وقد قال مالك بن أنس وهو إمام عند السلفيين وقد وفق كاتب هذه الأسطر ليكون بحثه في رسالة الماجستير عنه .. فقد قال: «كلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر». وعليه فترداد كلمة وهابيّة لا يغير شيئا من حقيقة السلفيين، ودونه مساجدهم ومنابرهم التي امتلأ منها الخنجر غيظاً هل هي تسخر لنشر التوحيد والسنة والعناية بالعقيدة والعبادة والأخلاق وتدعو إلى محاسن الإسلام وأخلاقه وغير ذلك مما ورد في الكتاب والسنة.. أم أنها سُخّرت في التعصّب لمحمد بن عبد الوهاب.. أو غيره من العلماء؟! والجواب عند الخنجر قبل أن يكون عند غيره!! ثانياً: تسوية د. صلاح الخنجر الصوفي السلفيين بالشيعة هي تسوية لا تستحق التعليق ويكفي إيرادها فقط ليحكم عليها القارئ الكريم.وقد قال الله تعالى: «ستكتب شهادتهم ويسألون». ثالثاً: أنا أدعو د. صلاح الخنجر لمناظرة عامة وعبر الأجهزة الإعلامية لنستعرض فيها كيف دخل الإسلام للسودان ومن الذي أدخله.. ليدرك وقتها أن الإسلام دخل السودان منذ عهد الصحابة الكرام ونستعرض تفاصيل ذلك وما ورد في كتب التأريخ بالتفصيل في هذه المسألة، ونبيّن دخول الصحابي عبد الله بن أبي السرح رضي الله عنه ووجود أحد الأئمة من التابعين وهو يزيد بن حبيب رحمه الله. وفي المقابل نستعرض متى كان دخول الطرق الصوفية السودان ومن أول من أدخلها وفي أي قرن من الزمان كان ذلك!!! ونستعرض ما تدعو إليه الصوفية. رابعاً: إذا تم استعراض النقاط المذكورة في «ثالثاً» فإني أقولها منذ الآن وحتى قيام المناظرة التي أدعو الخنجر لتحديد وقتها ومكانها أقول له: أتحدى أن يجد في ما يدعو له السلفيون في مجتمعنا شيئاً يخالف القرآن والسنة وما كان عليه الصحابة والتابعون وتابع التابعين وهم القرون الثلاثة المفضّلة في هذه الأمة، والذين أمرنا بالسير على سبيلهم واتباعهم بإحسان. بل ليأتنا الخنجر بما يخالف فيه السلفيون للأئمة الأربعة عموماً وإمام مذهب بلادنا مالك بن أنس خصوصاً. ليستعرض الخنجر وغيره في ما يدعو إليه السلفيون من التوحيد الخالص لله عز وجل وعدم الإشراك به في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته.. ولينظر مليّاً في دعوة السلفيين لتصحيح العبادة وإقامتها على السنة الثابتة الصحيحة ونهيهم وتحذيرهم من البدع والمحدثات والخرافات والشعوذة والدجل والسحر وإدعاء المغيبات وغير ذلك وليأتنا بشيء واحد يأمر به السلفيون الناسَ وهو ليس في القرآن والسنة وليأتنا بشيء واحد ينهى ويحذر منه السلفيون ولم يحذر منه القرآن ولا السنة.. أتحداه أن يأتي بشيء من ذلك وأنى له ذلك «حتى يلج الجمل في سم الخياط» وحسب مقولة د. نافع حتى «يلحس كوعَه»!! إنَّ مقال الخنجر ننتظر أن يتبرأ منه الصوفية قبل غيرهم لأنه ينضح جهالات ومجازفات واتهامات باطلات ولا يصُبُّ في مصلحة الحوار بالحسنى والمجادلة بالتي هي أحسن؛ ومنذ عقود من الزمان بين السلفيين والصوفية المناظرات والردود العلمية التي هي السبيل الوحيد لإظهار الحق عند من يدعيه.. وميدان المناقشة الموضوعية والعلمية مفتوح على مصراعيه فإن تعب الخنجر من محاصرة الأستاذ أيوب أو غيره فليجلس وليتابع ورحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه.. وليتنبه الخنجر وليحذر فإن السلفية هي الإسلام، وهي الأصل بحسب ما تدعو إليه فإنها دعوة الكتاب والسنة وما سوى ذلك فحادث والمحدث هو من يطالب بتغيير ما عليه والمطالبة تكون بالحجج والبراهين والأدلة الشرعية وليست بمثل هذه الاتهامات الرعناء. إن إنجازات السلفيين في السودان يتحدث بها الجاهل والصغير قبل العالم والكبير. وقد كتبت موجزاً لها في السابق نشر في هذا المقال بهذه الصحيفة الغراء على هذا الرابط :http://cutt.us/GwUXZ