اختطاف الطائرة العراقية «ميج 21» في 16 أغسطس نشر إعلان بجريدة الثورة عن فقدان مظروف أبيض متوسط الحجم به تقارير طبية هامة، وكان رقم التلفون به خطأ متعمد، وفي تمام الساعة السابعة مساءً دق التلفون في شقته.. كانت المكالمة البريئة في ظاهرها تحوى رسالة مشفرة بالغة الأهمية كان قد تم الاتفاق عليها مسبقاً في إسرائيل.. كانت الترجمة الصحيحة لها كالآتي: «سأطير من يوم 10 إلى 20 أغسطس من قاعدة الرشيد ما بين السابعة إلى الثامنة صباحاً مطلوب نقل العائلة خلال هذا التوقيت.» تحولت الموساد خلية نحل داخل بغداد وفي إسرائيل، فالرسالة التي بثها عميلهم السري في بغداد كانت مفاجأة مدوية، لذلك طلب منه إعادتها مرة ثانية، ففعل وجاءت كما هي في المرة الأولى بلا أخطاء. استدعى عاميت على الفور الجنرال مردخاي هود قائد سلاح الجو الإسرائيلي ونقل إليه تفاصيل الخبر العاجل، فكاد مردخاي هود يطير من الفرح.. أما ليفي إشكول رئيس الوزراء فقال «لن ينسى لكم التاريخ ذلك.» اجتمع هود بكبار ضباطه ومعاونيه وتشاور حول القاعدة الجوية التي سيهبط بها روفا من حيث طلعات أسراب طائراتها الروتينية ووقت طيران روفا والطيارين الذين يضمهم جدول الطلعات ومدى تماسكهم عند ظهور الميج 21 أمامهم إذ كانوا يرهبونها. ومن أكثر الأساطير التي تحكى عنها وكان من بين الطيارين الذين يضمهم جدول الطلعات المقرر لطيرانهم الروتيني خلال ذلك التوقيت، النقيب «موشيه دان» بطل الألعاب الجوية في الاحتفالات القومية، وهو طيار محترف مندفع مغامر لحد الجنون. وفي إسرائيل صدرت الأوامر لعملاء الموساد في العراق بالإسراع في نقل عائلة روفا إلى إيران وأحيط ايضاً عملاؤهم في إيران بالأمر وأجريت اتصالات مع رجال الجهاز الإيراني «سافاك» لتسهيل خروج العائلة جواً إلى اسرائيل.. وفي إسرائيل صدرت الأوامر لعملاء الموساد في العراق بالإسراع في نقل عائلة روفا إلى إيران.. كانت عقارب الزمن تتحرك ببطء وأعصاب رجال الموساد بمن فيهم روفا مشدودة في غليان شديد وابتداء من 8 أغسطس وطياري الميراج يقتربون كثيراً من الأجواء الأردنية ما بين الساعة السابعة والثامنة من دون أن يعرفوا سبباً لذلك، وفي مساء اليوم التالي أقام هود إقامة كاملة في قاعدة حاستريم الجوية واستيقظ صباح 10 أغسطس مبكراً واجتمع بالطيارين وقال لهم: «هناك طائرة ميج 21 تحمل الإشارات العراقية ستقترب من أجوائنا عبر الأردن، إنها طائرة مسالمة لا تصيبوها بأذى.. نحن نريدها سالمة ولسوف يتبعكم قائدها بلطف إلى هنا.. أكرر إياكم والحماقة.. لا أريد تهوراً من أحدكم .. ولا تنزعجوا من العلم العراقي على دفتها أو الصواريخ أسفل جناحها».. وما أن أقلع سرب الميراج إلى السماء.. انطلق صوت هود عبر اللاسلكي.. يحذرهم من الحماقة أو المغامرة عند ظهور الطائرة الميج 21 وهي تحمل على دفتها العلم العراقي.. تكرر هذا النداء في اليوم التالي وفي اليوم الذي يليه.. كانت العربة الجيب تذهب في الصباح إلى منزل روفا وتعيده مرة أخرى عند العصر وفي 11 أغسطس أخبر أهله وأهل زوجته بالاستعداد للسفر إلى إيران فجر 13 أغسطس حيث سيتحركون بالبص مع أحد زملائه بينما يطير هو إلى طهران برفقة قائد عراقي كبير ليمكث معهم لمدة أيام على الشاطئ. وفي 12 أغسطس ودع روفا أهله بدعوى أنه في مهمة سرية ولا يراهم إلا في إيران بعد أيام، وأوصاهم جميعاً بمرافقة زميله وتنفيذ ما يطلبه منهم لأجل سلامتهم وأمنهم، وحمل حقيبته الصغيرة متجهاً إلى قاعدة الرشيد بنية الابتعاد عن أفراد اسرته حتى يطمئن على سفرهم أولاً ومن ثم يطير بعدها إلى إسرائيل.. لقد زود كقائد سرب بوقود يكفيه لمسافة ألف كيلو متر وتبلغ المسافة بين قاعدتي الرشيد وحاستريم نحو تسعمائة كيلو متر معنى ذلك أن الطائرة السورية لو تصادف وطاردته فوقوده سوف ينفذ في الجو لا محالة. لهذا يحتم عليه لتفادي الطائرات السورية ولإنجاح خطته أن يتم هروبه عن طريق الارتفاع الشديد أثناء الطيران لتقليل استهلاك الوقود والإفلات السهل من السوريين وصواريخهم الأرضية، أما الأردنيون فقد كانت دفاعاتهم الجوية متواضعة إضافة لخلو سلاحهم الجوي من الميج 21. وصباح 13 أغسطس توقف البص أمام منزل روفا وركبت مريم وولداها واتجه بهم إلى المستنصرية حيث منزل والديه وإخوته فركبوا جميعاً وعند منزل أهلها في الأعظمية اكتشف وقوع حادث لوالدها إذ انزلقت قدمه على الدرج فالتوت وتورمت ووافق أربعة فقط من إخوتها شاب وصبي وفتاتين على السفر معهما.. سويعات قليلة وعبر البص البوابة العراقية بالأذونات المزيفة بداخله سبع عشر من أهل روفا. إضافة لقائد الرحلة الذي كان في حقيقة الأمر.. أحد عملاء الموساد في العراق.. عاد روفا إلي منزله وعرف بما حدث لوالد زوجته فحزن كثيراً، وفي السابعة مساء دق جرس التلفون من جديد وجرت مكالمة مشفرة مهمة.. مفادها أنه سيطير بطائرته صباح 16 أغسطس إلى إسرائيل.. نتابع إن شاء الله.