تجري الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق إفريقيا «إيقاد» سلسلة اتصالات مكوكية لعقد لقاء ثالث بين رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت، وزعيم المعارضة رياك مشار، في أديس أبابا، لحسم جملة من القضايا المتعلقة بتكوين الحكومة الانتقالية، لا سيّما بعد اتفاق طرفي التفاوض على إقرار نظام الفدراليّة في البلاد. وبات وضع إيقاد ومصداقيتها مهزوزين، بعد مطالبات الوفد الحكومي المفاوض بنقل مقرّ التفاوض من أديس أبابا الى كينيا وعدم ثقة الأطراف الجنوبية المفاوضة في معظم الدول التي تمثلها إيقاد، خصوصاً بعد تورّطها في المسرح الجنوبي، ويُصعّب ذلك مهمات الوساطة ويعقّد الحلول، خصوصاً وأنّ الأطراف المتفاوضة عادة ما تنظر إلى مقترحات إيقاد بنوع من الريبة والشكّ، وعادة ما تبحث في داخلها عن مصالح تلك الدول. ومع تشكيك وفدي التفاوض في حياديّة إيقاد، عبر اتهامات تُوجّه إلى دول في حد ذاتها، واتفاق أصحاب المصلحة مع ذلك الاتجاه، «الأحزاب الجنوبية والمعتقلون العشرة ومنظمات المجتمع المدني»، تصبح إيقاد عاملاً من عوامل تأخير الوصول إلى حلّ سلمي لقضيّة دولة جنوب السودان، علماً أنّها بدأت بقضيّة سياسيّة، كان من السهل حلّها في ظل وجود وساطة حقيقة محايدة لا مصلحة لها في الحرب. لكنّه ومع مشاركة بعض دول إيقاد في تغذية الحرب، عبر دعم أحد أطرافها، تطوّرت المشكلة إلى حرب أهلية وانزلقت نوعاً ما إلى حرب قبليّة. وعُلّقت الوساطة، الأحد الماضي، المفاوضات «الجنوبية الجنوبية» لتُستأنف في السادس عشر من الشهر الجاري، على الرغم من تحديد موعد الجولة لإحداث اختراق في ما يتعلق بالاتفاق على نظام الحكم الفدرالي، الذي ظلت جوبا ترفضه، لكنّ عقبة أساسية بقيت قائمة وتتعلّق بشكل ومهمات الحكومة الانتقالية ومقرّها وحجم التمثيل داخلها، إلى جانب عدد وزرائها ومدتها ومهمات رئيس الدولة ورئيس الوزراء ، وقادت هذه المسائل الوساطة إلى تعليق المفاوضات، باعتبارها قضايا أساسية تتطلب قرارات من قادة وفدي التفاوض «سلفا كير ومشار». وتُصعّب عقدة إضافية الوصول إلى حلول سريعة، تتمثل في دخول مصر إلى المسرح الجنوبي بقوة، خصوصاً بعدما أصبحت جوبا أخيراً ملعباً للصراع الإقليمي، وسط معلومات مؤكدة حصلت عليها صحيفة «العربي الجديد» اللندنية ، عن أنّ القاهرة تعاونت مع جوبا عبر مدّها بمعونات عسكرية، وقد وُجدت في إحدى ساحات القتال بقايا أسلحة وذخيرة للجيش الجنوبي، عليها علامة صناعة مصرية، وسبق للمتحدث الرسمي باسم الوفد المفاوض لمجموعة المعارضة، يوهانس موسى، أن كشف عن تقارير وصلتهم من قبل قواتهم في الميدان، تشير إلى وجود سلاح مصري، لكنه حرص على التأكيد أنّهم لم يستقصوا جليّاً المسألة، ما يشير إلى أنهم لا يريدون اتهام مصر صراحة، خصوصاً وأن الأخيرة سبق وأن فتحت معهم خطوط تواصل. ونشطت أخيراً الحركة الدبلوماسية «المصرية الجنوبية»، وتبادل الطرفان مجموعة من الزيارات كانت آخرها زيارة وزير الخارجية الجنوبي، برنابا بنيامين، إلى القاهرة، لترتيب زيارة مرتقبة لسلفا كير إلى مصر. ويُزعج هذا التقارب أديس أبابا، لا سيّما وأنّ ظهور مصر كلاعب جديد في المسرح الجنوبي، يرتبط بقضيّة سد النهضة الإثيوبي، إذ تخشى إثيوبيا من التمدد المصري في جوبا، ما يمكن أن يشكل ضرراً كبيراً عليهما، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في إذكاء الصراع «الجنوبي الجنوبي». وفي سياق متّصل، ينفي المتحدث الرسمي باسم رئاسة دولة جنوب السودان السفير انتوني ويك انتوني ل«العربي الجديد»، وجود تعاون عسكري بين القاهرةوجوبا أو استخدام سلاح مصري في المعارك، وكان خبير كيني سلّم أخيراً الأطراف المتفاوضة في أديس أبابا والوساطة، مقترحاً جديداً لحلّ الأزمة في جنوب السودان، شرح فيه النظام الأفضل للدولة الوليدة، وصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وضمّنه تجارب دول مماثلة، ويُنتظر أن تعكف الأطراف المختلفة في الجولة الجديدة على دراسة المقترح الذي وجد تجاوباً من وفدي الحكومة والمعارضة.