لا مندوحة بأن قمة الرئيسين البشير والسيسي بالقاهرة يومي 18/19 أكتوبر جاءت عقب مخاض مزمن في دورة العلاقات السودانية المصرية، وذلك لإثراء المباحثات بالعديد من الملفات الثنائية الحساسة، زاد من تعقيدها الإعلام في طرح القضايا الشائكة والمعلقة بنمط زُعاقي أوحى بشيء من توتر العلاقات نسبةً لأن ملف علاقات السودان بمصر تحكمه عدة تَوَجُهات متباينة، وكذا إدارة ملف مصر على المستوى التنظيمي والتنفيذي بين الصقور والحمائم، فجاءت برجماتية الطرح للاتفاق حول القضايا الأقل تعقيداً تسهم في حلّ الأكثر تعقيداً، وما فتئت الإرادة المشتركة للبلدين على قمة صناعة السياسة واتخاذ القرارات بإخراجها من مرحلة التقزم والتوتر إلى رحاب تنمية العلاقات عبر الآليات الاقتصادية والاستثمارية، ومنطقة التجارة الحرة المشتركة وفتح المعابر البرية، وحتمية تنفيذ اتفاقية الحريات الأربع غير المُفعلة منذ 4/4/2004م، وعبر تلك الحزم لإنعاش العلاقات تحلّ أزمة حلايب وشلاتين وأبو رماد، والأمن المائي وتداعيات سدّ النهضة والتنسيق في معالجة أزمة حوض النيل. تناغم ذلك لجملة من الخطوات الإجرائية كالتضييق والحدّ من نشاط المعارضة السودانية بالقاهرة، يتماشى مع فتح المعابر البرية والمساعي للمنطقة التجارية الحرة، وما اتخذته مصر بفصل حلايب عن شلاتين إدارياً، لتكونا مدينتين مستقلتين بعد أسبوعين من زيارة الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع ولقاء المشير السيسي بالقاهرة في فبرايرالماضي، وقبيل زيارة البشير قام السيسي بضمّ مثلث حلايب لمحافظة أسوان وجملة تلك الحزم الإجرائية تُنبئ بواقع جديد للإقليم. فدهاليز السياسة تؤكد اتفاق مشترك لإدارة المنطقة المتنازع عليها لا تشترط التنازل الفعلي لأحد الطرفين، وهي ذات الرؤية التي كان مقرر إجراءها في عهد «مرسي» ولطبيعة المسرح السياسي المتأزم فُضل تطبيقها بصعود السيسي للحكم. فبات واضحاً بأن لغة الخطاب التي استخدمها المشير البشير تحمل في طَياتِها إشارات لحزمة هذه الحلول، فكانت مُتَزِنَة وهادئة بتحليل المضمون ولغة الخطاب بل قُصِدت في ذاك التوقيت لإنجاح الزيارة في بحث كل القضايا ببرجماتية واتساع الصدر لإيقاف المزايدات السياسية على النظامين الحاكمين. فبات جلياً أن السودان ازدهرت علاقاته بمصر في ظل القيادات العسكرية أو الليبرالية دون الإيديولوجية، وهو ما ينفي فِريَة ومزاعم بأن هناك علاقات تنسيقية مع الإخوان المسلمين في مصر، تجلى ذلك بنُصح جناحي التيار الإسلامي في أعقاب ثورة 25 يناير بالتريث في الرئاسة والاكتفاء بالبرلمان والهيئات السندكالية «النقابية» بمصر، بَيدَ أن السودان حافظ على مساحة متساوية مع كل الفرقاء بمصر ولرؤيته بعدم التدخل في الشأن الداخلي للأبعاد الإستراتيجية والجيوبلوتيكية والجيو سياسية بوادي النيل. فالسودان حقق علاقات إستراتيجية مع الصين وغيرها من دول الشرق وإفريقيا تقوم على المصالح السياسية والاقتصادية وكذا المعيار لمصر. مما سبق يتضح انبلاج عهد جديد لديه إرادة للدفع بالعلاقات المشتركة لتحقيق غاياتها، وتَرجم ذلك الوفد الرئاسي السوداني المرافق لرئيس الجمهورية وضم وزراء رئاسة الجمهورية والخارجية والاستثمار والعمل والإصلاح الإداري والكهرباء والموارد المائية ووزير الدولة بوزارة الدفاع ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني وهو ما يُفسر بأن التباحث سيتم في كل الملفات الحساسة. خريطة طريق لمستقبل العلاقات المصرية السودانية بدأ بتحسن العلاقات عقب زيارة البشير للقاهرة 22 - 23 ديسمبر 1999م والبيان المشترك المطول كخريطة طريق لمستقبل العلاقات السودانية المصرية، فالأطروحات السودانية تلقى قبولاً عند المصريين ولديها من المرونة لعلاج ظاهرة الإفرازات السالبة في العلاقات المشتركة. انطلقت الرؤية الجديدة ومفادها بناء علاقات ثلاثية الأبعاد: البعد الأول: إستراتيجية التكامل والعلاقات السودانية المصرية، تستهدف تنمية القدرات البشرية والطبيعية وتحقيق المصالح الحيوية وإزالة كل القيود والحواجز بالعلاقات. البعد الثاني: إستراتيجية عشرية مشتركة «2003 2013م» تتحقق خلالها إستراتيجية العلاقات المفصلية للتكامل بمفهوم جديد، وتكليف الخبراء والمختصين والإستراتيجيين بإعداد المشروع ومن ثَم يعرض على الهيئة العليا. وقدم الجانب السوداني مشروعه المقترح، على أن تتولى وزارة التعاون الدولي المصرية إعداد مشروع الجانب المصري. البعد الثالث: الرؤية الإستراتيجية للانتقال من الشراكة الثنائية إلى المنفعة الإقليمية وذلك خلال بعض الوسائل التالية: 1 دورية مؤتمرات القمم الرئاسية. 2- تأسيس الهيئة «اللجنة» العليا برئاسة النائب الأول للرئيس السوداني، ودولة رئيس الوزراء المصري وهي مفوضة من القيادة السياسية ومسؤولة أمامها. 3- اللجنة الوزارية: تتكون من الوزراء المشرفين على قطاعات المشروعات. 4- اللجنة التحضيرية: المتابعة والإعداد لدورية الاجتماعات وتنسيق عمل اللجنة الوزارية في سبيل إنشاء أمانة للتكامل. 5- صندوق التكامل: إعداد دراسة الجدوى للمشروعات والترويج لها بهدف استقطاب التمويل والاستثمارات ومتابعة التنفيذ. 6- اللجنة البرلمانية السودانية المصرية: تتكون من «7» أعضاء من كل المجلس الوطني السوداني وبرئاسة رئيس المجلس الوطني و«7» أعضاء من مجلس الشعب ورئيس مجلس الشعب، وانعقدت أولى جلساتها بالقاهرة وتوقفت بعد ثورة 25 يناير. العلاقات السودانية المصرية الفترة من ديسمبر 1999 إلى أكتوبر 2014م. أولاً: على مستوى الزيارات واللقاءات المشتركة: «أ» على مستوى لقاءات القمة: عدم انقطاع الزيارات الرئاسية والوزارية عقب الزيارة التاريخية في ديسمبر 1999م عقب قرارات رمضان التصحيحية، وجاءت في الفترة 22 - 23 ديسمبر. في عام 2003م سجلت زيارتان هي: زيارة البشير للقاهرة في 9 أبريل 2003م، وزيارة مبارك للخرطوم في 30 أبريل 2003م. في عام 2004م سجلت ثلاث للرئيس البشير للقاهرة هي: 18 يناير و15 أبريل و4 يوليو 2004م. زيارة البشير للقاهرة في أغسطس 2007م زيارة مبارك للخرطوم وجوبا في 10 نوفمبر 2008، وزيارة البشير للقاهرة في 25 مارس 2009م، وزيارة البشير للقاهرة في 12 يوليو 2009م وزيارة مبارك للخرطوم في يناير 2011م، وزيارة عصام شرف للخرطوم 27 مارس 2011م، وزيارة البشير للقاهرة في 2011م، وزيارة البشير لمصر في 16 سبتمبر 2012م، وزيارة هشام قنديل للخرطوم في 19 سبتمبر 2012م وزيارة محمد مرسي للخرطوم 4 أبريل 2013م، وزيارة السيسي للخرطوم في 27 يونيو 2014م، وزيارة البشير للقاهرة 18/10/2014م. «ب» اللجنة السودانية المصرية العليا: عقدت ثلاث دورات: الأولى بالخرطوم، والثانية بالقاهرة، والثالثة بالخرطوم، والرابعة بالقاهرة، والخامسة بالخرطوم والسادسة بالقاهرة 11/12 مارس 2010م والسابعة بالخرطوم مارس 2011م. اللجنة الوزارية العليا المشتركة السابعة بالخرطوم: قام البلدان خلال انعقاد اللجنة السودانية المصرية المشتركة بالخرطوم في 27/3/2011 على تسع اتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية للتعاون بين البلدين وتضمنت هذه الاتفاقيات: اتفاق تعاون بين ديوان الزكاة الاتحادي والصندوق الاجتماعى في مصر. اتفاق تحقيق الأمن الغذائي بين شعبي البلدين. اتفاق إقامة مشروعات للوقود الحيوي. اتفاقاً إطارياً بين وزارة التعليم العالي في السودان وجامعة القاهرة بشأن عودة بعثة جامعة القاهرة فرع الخرطوم للعمل في السودان. مذكرة تفاهم في مجال الإصلاح الإداري بين وزارة العمل والخدمة المدنية وتنمية الموارد البشرية وبين الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بمصر. مذكرة تفاهم بين بنك السودان المركزي والبنك المركزي المصري لتبادل المعلومات والبيانات في المجال المصرفي. التوقيع على برنامج تنفيذي في مجال الاستثمار بين وزارة الاستثمار وهيئة الاستثمار المصرية. برنامجاً تنفيذياً لحماية البيئة 2011 / 2012م. مذكرة تفاهم بشأن آلية تنفيذ عمل اللجنة العليا المشتركة بين وزارتي النقل، ومذكرة تفاهم للتعاون الإعلامي، والسلامة البحرية. «ج» اللجنة البرلمانية: عقدت أربع دورات: الأولى بالقاهرة 8/9 يناير 2004م والثانية بالخرطوم في سبتمبر 2004م. ثانياً: المنهاج والاتفاقيات المشتركة لإستراتيجية العلاقات: «أ» اتفاقية حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك «الحريات الأربع»: تم توقيع الاتفاق بالقاهرة 4/4/2004م وتم التصديق عليها في يونيو ذات العام، وتبادل وزيرا الخارجية التصديق ليدخل حيز التنفيذ بعد ثلاثين يوماً، وجاء بفاتحة تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشؤون العربية ولجنتي العلاقات الخارجية والدفاع والمخابرات والأمن الوطني بهذا الصدد: «إنه تأكيد للعلاقات الممتدة والمستمرة بين مصر والسودان التي لها جذور ثابتة غير قابلة للتغيير. وتدعيماً لمفاهيم الصيغ الإنمائية والتكاملية بين البلدين الشقيقين. وانطلاقاً من توجيهات القيادة السياسية العليا في البلدين. وتلبيةً و وفاءً لإرادة الشعبين الشقيقين. ومنطلقاً نحو التكامل والتقدم وصياغة حياة جديدة على أرض وادي النيل اتفق الطرفان على ما يلي: 1- أن تكون إقامة وتنقل ودخول المواطنين وخروجهم من وإلي أي من القطرين بجواز سفر ساري المفعول أو أية وثيقة أخرى يتفق عليها الطرفان. 2- يتمتع مواطنو أي من القطرين لدى الآخر بحق العمل ومزاولة الحرف والأعمال المختلفة، وذلك مع الالتزام بالاتفاقيات الدولية والعربية الموقع عليها الطرفان. 3- يتفق القطران على تمتع مواطنيهما بحق التملك والانتفاع بالأراضي والعقارات والمنقولات والتصرف فيها وإنشاء الشركات والشراكات. 4- يسري هذا الاتفاق لمدة خمس سنوات، ويمتد تلقائياً لذات المدة أو لمدد مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر كتابةً قبل انتهاء سريانه «بثلاثة أشهر». «ب» العلاقات الاقتصادية: جاءت العلاقات الاقتصادية للتعبير كمؤشرات تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين مقارنةً بالتسعينيات وإن كانت الأرقام ضعيفة أمام طموحات الشعبين، ومن أهم الاتفاقيات التي توصل لها الجانبان على المستوى الاقتصادي ما يلي: 1- اتفاق إطاري للمبادلة والتبادل التجاري. 2- مذكرة تفاهم بشأن السلع المتبادلة في إطار الكوميسا. حيث تم رفع «15» سلعة من قائمة السلع المستثناة من إعفاء الرسوم والضرائب الجمركية وفق قواعد الكوميسا. كما صدق الجانبان على اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار «الخرطوم في 27/9/2001م، ومصر في مارس 2003م». أهم الصادرات السودانية: الإبل الحية والكركدي وحب البطيخ والسمسم والقطن الخام. أهم الواردات المصرية: الأسمنت والأرز والأدوية والمواد الغذائية والفوسفات والدقيق والحنطة المخلوطة. إجمالي حجم التبادل التجاري ببداية الاتفاقيات عام 2004م «170» مليون دولار وهي ثلاثة أضعاف إجمالي حجم التبادل التجاري في التسعينيات. والتفسير لضعف التبادل في الآتي: 1 بداية تنفيذ الاتفاقية بعد فترة انقطاع يمثل حالة عدم ثقة المستثمرين بانتظار هدوء الأوضاع السياسية، بينما الهدف الإستراتيجي رفعه إلى مليار دولار. 2- رغبة وإلحاح الجانب السوداني بدفع التكامل قدماً بَيدَ أن التباطؤ المصري يستند إلى الخوف من فتح تأشيرات الدخول للسودانيين، وهناك قائمة للممنوعين والمحظورين السياسيين، وخوفاً من تلاقح وتواصل الإسلاميين ولكن هناك مؤشرات عقب انتخاب المشير السيسي بفتح كل الحواجز ومحاولة تطبيق الحريات الأربع من مصر. 3- يرى المفاوض المصري في العلاقات الاقتصادية رغم موافقة الاتفاقية والكوميسا على دخول «28» سلعة للسودان، فإن الوقع هناك أقل من «10» سلع معفاة من الجمارك مستثناة. بَيدَ أن السودان بصدد عمل آلية للتنفيذ الكامل خوفاً من تضرر الميزان الاقتصادي والصناعات الوطنية من الإغراق المصري. «ج» العلاقات الثقافية والتعليمية والإعلامية: أقرت اللجنة العليا المشتركة في دورتها الثالثة بالخرطوم 19/20 يوليو 2003م عدداً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في المجالات الثقافية والتعليمية والأخرى أهمها: 1 برنامج تنفيذي للتعاون التعليمي والبحثي للأعوام 2003 - 2005م. 2 برنامج تنفيذي في مجال التربية والتعليم. 3- برنامج تنفيذي للتعاون الثقافي بين وزارتي الثقافة السودانية والمصرية لعامي 2004 - 2005م. 4- مذكرة تفاهم بين وكالة السودان للأنباء ووكالة الشرق الأوسط للأنباء. يرى الجانب المصري عدم التزام السودان بتطبيق الكوميسا على وارداته للسودان، والمماطلة بين المكون المحلي والأجنبي للسلع، وشكوى بضرورة تقليص قائمة السلع المصرية الواردة للسودان والمستثناة وفقاً للكوميسا، والمطالبة بالمعرض الدائم للمنتجات المصرية. فالمفاوض السوداني شديد المطالبة بعدم إعاقة دخول اللحوم المذبوحة للسوق المصري، وتجارة الإبل، وإعادة صادرات السلع التي جفف توريدها بالسوق المصري مثل حب البطيخ وجلود الأغنام والأبقار والضأن، والتسهيلات السودانية كبيرة وذلك في حجم الاستثمارات السودانية بمصر بلغت «149» مليوناً لعدد «48» شركة سودانية بمصر، بَيدَ أن الاستثمار المصري ضعيف فقط مجزر آلي بقيمة «10» ملايين دولار والسويدي للكابلات بمساهمة «4» ملايين دولار في مصنع جياد، عند بداية الاتفاقيات التجارية والاقتصادية.