الجالية السودانية بالقصيم من أكبر الجاليات بالمملكة ولها حضور في الفعاليات التي تعقد في السودان في ما يخص شؤون الجاليات في الخارج وما يتعلق بأبناء المغتربين ودراستهم، كما لها مشاركات مقدرة داخل المملكة ولعل من أسباب ذلك العدد الكبير لأفراد الجالية بالمنطقة خاصة والمنطقة تضم محافظات عديدة، وكلما كثر العدد كما لا يخفى ازدادت الحاجة لتقديم خدمات خيرية وتطوعية، وللحياة خارج البلاد ظروف وأحوال يعلمها من عاش فيها أو علم عنها أو وقف عليها، فكثير من الأسر تفقد عائلها في بلاد الاغتراب، وبعض الأسر تمر بظروف اجتماعية ومالية صعبة، وبعض الأفراد يدخلون السجون لأسباب متفاوتة ومختلفة، وبعد الله تعالى فإن حلّ كثير من هذه المشكلات يكون بمن يسخرهم الله من أبناء المجتمع، والتكافل الذي يشهد به القريب والبعيد لأبناء مجتمعنا والذي يظهر بصورة أكبر وأوضح خارج البلاد يعدُّ من النماذج الرائعة القليلة التي يروي قصصها كثير من أبناء المجتمعات الأخرى. وكم كتب فيها من مقالات وصيغت فيها من أخبار!! ومن العجيب أن بعض الجهات الرسمية في بعض البلاد تتعامل مع أفراد من أبناء مجتمعنا يقيمون فيها وقد جعلوا من همومهم الكبرى حل مشكلات إخوانهم تتعامل معهم وكأنهم أصحاب وظائف رسمية، خاصة في المدن والقرى التي تبعد عن مكان وجود السفارات والقنصليات. وفي محافظة الرس من بلاد القصيم بالوسط الشمالي للمملكة العربية السعودية حرسها الله أقام الأستاذ علي إبراهيم نايل أكثر من ثلاثين عاماً وهو من أبناء قرية نايل ريفي تنبول من أرض البطانة الكريمة المعطاءة، وهو أنموذج فريد في العناية والاهتمام بقضايا إخوانه السودانيين والانشغال بهم والتضحية لأجلهم، فالرس محافظة تتبع لها العديد من المدن والقرى الممتدة مئات الكيلومترات، عاش هذا الرجل أكثر من ثلاثة عقود بهذه المحافظة فضرب مثلاً رائعاً في التفاني والبذل والعطاء والإيثار ومساعدة إخوانه السودانيين، استطاع أن يجمع ويوفِّق بين أداء عمله الذي يتقاضى عليه راتباً يؤدي به واجباته تجاه نفسه وأسرته، وبين أداء مهمة نبيلة عجز عن وصفها كل من يعرفه، ولم تسعف عبارات الشكر والثناء من أراد أن يشكره في الحفل الكبير الذي أقيم قبل أيام لتوديعه بمدينة الرس. إذا وُجِد سوداني بالمستشفى فهو حاضر يقوم بمتابعة أمره ويقدم المساعدة بالشفاعة أو الدلالة أو المتابعة إن كان الأمر يحتاج لذلك، وإذا توفي أحد أبناء الجالية فهو من يقوم غالباً بالإجراءات والاتصال بالسفارة بدءاً من الإجراءات الأولى وحتى الدفن وما يكون بعد ذلك من اتصال وتواصل مع أهله أو أبنائه، وإذا وجد شخص سوداني بالسجن فهو من يتابع أمره ويتفقد حاله ولا يتخلى عن الأمر حتى انتهائه. كرّمت محافظة الرس أسرة الجالية السودانية وكان من أسباب هذا التكريم جهود الأخ علي نايل ولم تكن مشاركاته وجهوده في أبناء الجالية السودانية فقط، وإنما له حضور ومشاركات في مناسبات أهل الرس وسكانها فتجده وكأنه واحد منهم وقلّ أن تأتي المقابر فلا تجده. عُرف الأستاذ علي نايل في الدوائر الحكومية ممثلاً للسودانيين في مساعدة إخوانهم فإدارة الشرطة والجوازات والمرور والأحوال المدنية والسفارة السودانية في الرياض هذه بعض أهم الجهات التي باتت تتعامل معه رسمياً بوصفه مسؤولاً عن الجالية السودانية. لذا لم يستغرب أن يحتشد السودانيون في الرس بمختلف أعمارهم ووظائفهم ويأتي ممثلون من جاليات المحافظات الأخرى من محافظة بريدة وعنيزة والبكيرية والبدائع ورياض الخبراء ويلتقي المئات من السودانيين ليعبِّروا عن وفائهم وشكرهم وثنائهم لما قدمه الأخ المحتفى به علي نايل، وقد طلب مني الإخوة في لجنة الحفل تقديم كلمة في افتتاح الحفل عدّدت فيها بعض ما أعرفه عن المحتفى به وبيّنت مكانة الوفاء في دين الإسلام وبين أهل المروءة وألقيت الضوء على بعض المواقف التي شهدتها للأخ علي في مبادراته وتضحياته وأبنتُ أنه بلغة أهلنا الكرام «ضوْ» و«الضوْ ما بقولولوا سوْ».. فهكذا عرفناه مبادراً في موضوعات جميع السودانيين دون أن يكل أو يمل أو يفتر أو يتضايق ودون أن يدفع ، بل نعرف عنه أنه كان يضمن من يحتاج إلى ضمان بكفالته سواء مالية أو حضورية، ولا أزكي على الله أحداً.. وهكذا نحسبه، وبيّنت أن بوداعه للرس فقد فتحت ثغرة كبيرة ينبغي أن يجتهد في سدّها والخير موجود في البقية لكن الأخ علي نايل لم يكن في حضوره ليدع أحداً يسبقه.. وهكذا يضرب الأخ علي مثالاً للسوداني الأصيل، فحقّ لبلاد هو من أبنائها أن تفخر به، والحمد لله أن بالأمة خير، فمهما انشغل أناس بأنفسهم وقصّروا خيرهم عليها وبخلوا على مساعدة من يستطيعون مساعدته عملاً بمبدأ الأنانية الذي تلخصه المقولة العامية «دعه يأكل نارو»!! مهما وجد أمثال هؤلاء إلا أن النماذج المشرقة باقية، وشكرت فيها المحتفلين بهذا الوفاء الرائع الذي لا يستغرب على أهلنا. وألقى المهندس الحاج بشير إبراهيم بشير رئيس الجالية السودانية بالقصيم كلمة شكر وثناء على جهود الأخ علي وتفانيه في خدمة إخوانه. وقال إن الأخ علي كرّم السودان والسودانيين قبل أن يكرِّموه.. وألقيت القصائد من بعض المشاركين وقدمت له دروع تذكارية وهدايا رمزية. إن الأخ علي نايل قد انشغل بمساعدة إخوانه وقدّم من ماله في حلّما يجد من مشكلات ومثل هذا الشخص لا يستغرب أن يتحمّل حمالات من أجل تواصله وانشغاله بإخوانه السودانيين وأسرهم لذا لم يكن مفاجأة أن يسخّر الله له شخصاً من أهل البر والإحسان قبل أربع سنوات يقوم بتسديد كل ديونه التي كانت في حدود مائة ألف ريال حتى جعل مأدبة جمع فيها إخوانه السودانيين بمحافظة الرس فمن كان في عون أخيه كان الله في عونه.. فسبحان الله العليم الرزاق الذي لا يخلف وعده، والقائل : «وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان»!! اللهم اكتب للأخ علي نايل أجره ويسر له طريقه.. واجعل ما قدمه خالصاً لوجهك الكريم.