تسببت فوضى سوق الدواء بالسودان الآن في ظهور ما يسمى سوق الدواء الأسود، الذي يتحكم فيه عدد ممن يستغلون حاجة المرضى للأدوية المنقطعة من السوق، الخبر الذي تناولته وسائل الإعلام مؤخرًا. الجدير بالذكر أن هذه الأدوية تستورد عبر شبكة متخصصة في استجلاب الدواء من الخارج بكميات كبيرة جداً دون مراعاة لطرق حفظ الأدوية، بل أن الأمر وصل إلى حد عرضها في الأسواق المفتوحة، وعبر العربات المتحركة بمواقف المواصلات أمام مرأى من السلطات الرقابية التى غفلت تماماً عن توفير حاجة المرضى من الأدوية المنقذة للحياة، وفشلت مجدداً رغم الشعارات التي رددتها كثيراً في التحكم لبسط سيطرتها على سوق الدواء في السودان. فالواقع الآن يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الدواء بات من أكثر السلع ارتفاعاً في الأسعار ومعدل ارتفاعه تجاوز حتى أعلى درجات القفز بالزانة التي يمارسها الرياضيون. والدليل على ذلك أن عدداً من الصيادلة والمرضى وجهوا شكواهم إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء للتدخل العاجل والمهم في حل مشكلة الاستمرارية في التلاعب في أسعار الدواء في السودان. وقد ظل ارتفاع أسعار الدولار في ذات الاتجاه يؤثر سلباً في عجز عدد كبير من شركات الأدوية مما أدى لانسحابها من استيراد عدد كبير من الأدوية المنقذة للحياة، سيما بعد أن عجزوا عن الإيفاء بالتزاماتهم المادية للشركات المصنعة للأدوية. وأعلن بنك السودان عن التزامه بتوفير النقد الأجنبي للشركات الموردة للأدوية بالسعر الرسمي للبنك على أن يقوم المجلس القومى للأدوية والسموم لاحقاً بمنح الشركات الموردة لمقابلة احتياجات المرضى لذل . وقد جرت الترتيبات لذلك وأكد لنا مصدر مطلع بالمجلس أن عدداً كبيراً من الشركات قد استلمت العملات وبدأت في تنشيط نشاطها لتسهم تدريجياً في استقرار الدواء في البلاد إلى أن توقف النقد بعد ذلك، فعادت الفوضى تضرب بأطنابها مجدداً ولتواصل وتيرة انعدام الأدوية في الصيدليات وشحها إضافة إلى تكرار نفس مشاهد السيناريو التي تنتهى أسوأ مشاهدها باللعب في حياة ونفوس المرضى. فشل السياسات الصحية إحدى أزمات المجلس القومي للأدوية للسموم التى أكدها عدد من المختصين فى المجال الصيدلي تكمن في تمسك المجلس بتضييق الفرص للشركات من أجل تسجيل الأدوية فإلى الآن وللأسف لا يزال المجلس القومي للأدوية والسموم يتمسك باشتراطات وشروط تعسفية من أجل تسجيل الدواء وإغفال سياسة فتح المجال للمزيد من شركات استيراد الأدوية لتوفير الأدوية البديلة التي ستسهم تلقائياً في وضع خيارات أمام الأطباء والمرضى من شأنها أن تنعكس إيجاباً فى سوق الدواء بالسودان، وإذا قارنا بين عدد الأدوية التي تم تسجيلها بالسودان لدى المجلس القومي للأدوية والسموم لوجدناها لا تتجاوز ال 20 % من إجمالى الأدوية المتوفرة في عدد من الدول المجاورة مثل جمهورية مصر أو دول الخليج العربي. نقطة محورية أخرى تؤكد إخفاقات المجلس القومى للأدوية والسموم الذى يرأس مجلس قيادته بروفيسور العكد وهي فشل المجلس في وضع تسعيرة ثابتة للأدوية التى تباع في الصيدليات الطبية رغم أن القائمين بأمره كثيرا ما يتحدثون عن ضبط سوق الدواء وتسعير الأدوية وتوفيرا إلا أن الواقع الذي لامسناه من خلال جولة فى عدد من الصيدليات الطبية يؤكد أن سعر الدواء يختلف من بين صيدلية لأخرى ومن منطقة لأخرى ومن ولاية لأخرى وفق أهواء ورغبات أصحاب الصيدليات أنفسهم المتحكم الرئيس في تسعير الدواء في السودان. فعقار مثل دواء الأماريل المستخدم لمرضى السكرى والمضادات الحيوية التي ارتفعت أسعارها بزيادة 300 % من الأسعار السابقة مثل الزوماكس الذي وصل سعره إلى 65 جنيهاً وقدكان سابقاً في حدود ال 25 إلى 35 جنيهاً. بونص التوزيع البونص أو حافز الشركات للصيدليات مصطلح اعتمدته شركات توزيع الأدوية لترغيب الصيدليات في أخذ كميات كبيرة من الأدوية، وقد يصل البونص إلى زيادة تصل إلى 50 % من الكمية مجاناً، معلومة أكدها لنا مدير المبيعات بإحدى أكبر شركات توزيع الأدوية فى السودان، مؤكداً في ذات السياق أن هذا الاتجاه اذا ما توجه إلى دعم الدواء سيسفر عن استقرار الأدوية بصورة كبيرة بل وحتى منح بعض المرضى غير المستطيعين حاجتهم من الدواء، فضلاً عن إغراء بعض هذه الشركات الأطباء بوصف العقار بصورة دورية ضمن روشتات العلاج للمرضى، ضمن سياسة إغراق السوق بعقارات لا بديل لها.