لم أكن أعرف حتى ساعة انطلاق الذكرى الثالثة لملحمة تحرير سالي التي أقامتها إدارة تنسيق قوات الدفاع الشعبي ومنسقية القوات الخاصة بالدفاع الشعبي، أن هذه المنطقة التي أسميت بها هذه الملحمة هي اسم لقرية تقع بالقرب من أكبر مدينة بولاية النيل الأزرق «الكرمك» الثانية بعد عاصمة الولاية الدمازين، فيما أشارت قيادات القوات المسلحة والدفاع الشعبي بأن «سالي» بالنسبة لهم رمز لا يمكن تجاوزه عند سرد الذاكرة للملاحم الكثيرة التي سجلت بطولاتهم و يشار إليها عبر الوسائط المختلفة للتوثيق لتلك الملاحم، فقد شهدت استشهاد المقدم ركن عبدالملك حسين «الملة» أو صائد الدبابات، كما يحلو لزملائه وأحبابه مناداته. وسالي المنطقة، اشتهرت بتلك الملحمة بين القوات المسلحة وقوات الدفاع الشعبي من جهة، وقوات الجبهة الثورية وقطاع الشمال من جانب آخر، وهي تقع على مقربة من مدينة الكرمك مسافة عشرين كيلومتر في الشمال الغربي فيما تبعد عن مدينة الدمازين تسعين كيلومتر جنوباً و تعتبر «سودان مصغر» و نموذج للتعايش السلمي. وتجيء الذكرى الثالثة لملحمة سالي التي حدثت في العام 2011، والبلاد قد شهدت تطورات كثيرة، استطاعت القوات المسلحة بمعية قوات الدفاع الشعبي أن تقود عمليات الصيف الحاسم التي أعلنتها لإعادة الاوضاع إلى ما كانت عليه، قبل اشتطاط وتطور المواقف السالبة للحركات المسلحة والجبهة الثورية والحركة الشعبية باستهداف أمن البلاد. وقال اللواء الركن علي الماحي قائد قوات الدفاع الشعبي في كلمته، إن اللقاء يجيء تخليداً لملحمة سالي التي استبسل فيها أفراد القوات المسلحة والدفاع الشعبي و استمرت لأكثر من «16» ساعة من الاربعاء وإلى الثامنة من مساء الخميس، وقد قدمت القوات المسلحة فيها خيرة رجالها منهم الشهيد الملة وعدد من الاخيار. وأكد الماحي أن الدفاع الشعبي مدرسة تخرج المجاهدين والشهداء، وأن معركة سالي مادة من مواد الدفاع الشعبي و أن عظمة المناسبة تمتد من عظمة الذين سجلوا التاريخ فيها بيد أن للدفاع الشعبي ملاحم كثيرة ومواد يمكن أن يستفيد منها الناس كثيراً في شحذ الهمم و ربط القيم بالسماء، وحيّا منسقية القوات الخاصة بالدفاع الشعبي على إحيائها لهذه الملحمة مؤكداً أن مجاهدي الدفاع الشعبي سطروا بدمائهم الطاهرة أروع الملاحم في ربوع السودان وكل المناطق التي شهدت معارك مع المتمردين. وقال اللواء الماحي بحكم إني قائد هذه المؤسسة أدين لها بالولاء لأنني تربيت فيها وتعلمت فيها الكثير. وأكد أن المهمة كبيرة طالما أننا نسير على الحق فإننا سنجد المقاومة ولن يتركونا أبداً. ودعا اللواء الماحي إلى تجديد النوايا وأن يكون الجهاد هو السبيل، مشيراً إلى أن الصيف الحاسم أمامنا وقطعنا عهداً على أنفسنا أن يكون حاسماً لكل التمرد في السودان، ولذلك نؤكد لإخوتنا في القيادة أن الدفاع الشعبي بمجاهدي عبيد ختم والبنيان المرصوص والدبابين والقوات الخاصة، جاهزون ومن هنا نرفع تمامهم وسنشارك في أي متحرك إن شاء الله بأية قوى تطلبها القيادة، مشيراً إلى أن الدفاع الشعبي هوالسند القوي للقوات المسلحة وأنه متى ما طلبت منا القوات المسلحة ذلك فإننا جاهزون. وتحدث المهندس محمد سليمان جودابي رئيس اللجنة العليا للاستنفار والتعبئة، عن تكتيكات الدفاع الشعبي في خوض العمليات مؤكداً أن معركة سالي كانت معركة تحدث عن نفسها فهي قد حدثت ليلاً وأن قوى عظمى شاركت فيها ودعمت قوات التمرد عن طريق تزويدهم بتفاصيل المعركة وموقع القوات المسلحة ونوعية السلاح عن طريق الاقمار الاصطناعية، ما جعل الارض مكشوفة لقادة التمرد واضاف إن ما يدور انما هو مخطط صهيوني أجنبي كبير لتمكين دول الغرب صاحبة الأجندة الخفية والمعلنة للتمكن في منابع النيل، مؤكداً أن المعركة وما حدث فيها جدير بالتوثيق. واتفق معه المجاهد عادل السماني المنسق العام لقوات الدفاع الشعبي، إذ أن الأقمار الاصطناعية كانت تصور للمتمردين مواقعهم وأن ما جرى ويجري عبارة عن تكالب دولي يستهدف تماسك السودان وقوته، وقال إن المسيرة مستمرة ولن تنتهي هكذا. وتوجه العميد الركن مجاهد كتي قائد المتحرك في كلمته بالتعزية والمواساة لأسر الشهداء في الدفاع الشعبي والقوات المسلحة، معرباً عن أمانيه بان يمن الله بالشفاء العاجل لجرحانا وان يلهمنا وأسرهم الصبر الجميل، وقال إن هذه الذكرى تعتبر السنوية الثالثة لملحمة سالي، وأن الشهيد الملة قائد جمع كل الصفات وتحديداً صفات القادة العظام، فقد أرسى دعائم عظيمة مستمدة من قيمه ودينه وشخصيته. وأكد أن الشهيد استبسل في معركة سالي وضرب أروع المثل والقيم للقائد، وأن قوات المجاهدين ضربوا أيضاً أروع المثل في البطولة وتميزوا في تلك الملحمة بقوة الإرادة ودقة التصويب ولم يتزحزحوا، مذكراً بانهم مقبلون على الصيف الحاسم وانهم جاهزون لحسم كل التمرد في كل ولايات السودان وهذا وعدهم للقيادة وللشعب الأبي. ويقول المجاهد يس محمد نور أحد الذين شاركوا في المعركة، إن المعركة قد بدأت من داخل الدمازين وفقاً لتقديرات المعركة بين القوات المسلحة والجبهة الثورية والحركة الشعبية، مؤكداً أن معركة سالي تعتبر ملحمة بكل المقاييس والدلالات، كما قال بذلك عنها اللواء الركن حينها علي محمد خير «يحيى» وزير الدولة بالدفاع الآن، فيما طلب الملحق البريطاني وقتها والفرنسي من القيادة العامة منحهم الإذن للوقوف على خطة تحرير سالي وإخراج الجرحى إذ كانوا يرون باستحالة ذلك، وقال إن القوات المسلحة اعتذرت لهذا الطلب لأنها لا تحدث عن تفاصيل خططها وإنما تحدث عن الملامح فقط، ما يؤكد أن سالي كانت ملحمة أظهرت بسالة واستبسال الجندي السوداني وصبره في المعارك ليثبت معاني الكرامة والشموخ والعزة، مشيراً إلى أن القوات المسلحة وطيلة مسيرتها التي فاقت الستين عاماً لم تنكسر أو تلين، وقال ليس بيننا وبين الخروج من عمق الزجاجة إلا سويعات وهذه نريدها تكون بالجاهزية لرفع التمام للقائد بتحرير كل اراضي الوطن. وباعتلاء المجاهد أمير الغبشاوي أمير مجاهدي الدفاع الشعبي ضجت القاعة بالهتاف «جاهزين ومستعجلين الناس تحرك شوية»، وقد افتتح حديثه بالقول: إن من افتقدناهم كثر وخيرة شباب هذا الوطن ولن نفقد المزيد مستقبلاً، لأننا سنكبد التمرد الخسائر مشيراً إلى الجاهزية التامة لقوات الدفاع الشعبي، مؤكداً أن لا أحد يحمي السودان غيرنا لأننا «واطين الجمرة ودايسين عليها» وقال: «لمن ننوم ما بنشوف إلا الشهداء ولمن نصحو ما بنشوف غيرهم» لذلك نحن لا تهمنا دنيا ولا مال ولاجاه، فقط نسأل الله أن يحسم بنا الصيف الحاسم. ويقول منسق القوات الخاصة بالدفاع الشعبي علاء الدين إبراهيم إن شعارنا في الفترة القادمة هو «أن تراق منهم دماء»، مؤكداً أن حياة المجاهد محطات منذ أحد وبدر، ورساي، وتوريت، وهمشكوريب، وسالي، وقال إننا نقف هذه الوقفة لنؤكد أننا على العهد سائرون وكل ما مضى شهيد أو سقط، سيقف خلفه شهيد آخر وأن متحركاتنا جاهزة لتحرير كل شبر من أرض الوطن.