لا أنكر أن ما وجدته في «الإنتباهة» في «10» ايام هي عمر هذا العمود في هذه الصحيفة، لم أجده في كثير من الصحف التى عملت فيها عدداً من السنين. فهم بشهادة التوزيع والأرقام الأكثر انتشاراً، والأعلى توزيعاً بين كل الصحف التى تصدر من الخرطوم، وهي الأكثر استقراراً مادياً. علماً بأني كنت احمل نظرة سالبة عن توجه الصحيفة، وعندي الكثير من الآراء فيها ومازلت!! لكني احفظ لهم أنهم ما منعتهم سياستهم التحريرية من أن أكون «كاتباً» معهم، وأحفظ لنفسي أن «قناعاتي» سوف أقدمها في كل المنابر دون أن أبحث عن توافقها أو تماشيها مع المنبر الذي أكتب فيه، فإن تلونت مواقف وقناعات الكاتب بالمنبر الذي يكتب فيه يبقى ذلك دليل إشكالية كبرى لدى الكاتب وعيباً سوف يجعل الناس ينفضوا مما يكتب. وليس لدي خشية الدخول في التجارب مهما كانت صعبة. اعترف أني أبحث عن «الاختلاف» وأمقت الأصوات المتشابهة، والأدوار الواحدة، وإني لأسعد أن اكتب في صفحة اختلف فيها عن «الآخر» الذي يكتب فيها، بدلاً من نأتي «كورالا» واحداً نتشابه حتى في الفواصل اللغوية، ونتفق حتى حول «النقطة» وسطر جديد. «2» ما قدمه المدير العام لصحيفة «الإنتباهة» «سعد العمدة» للاستمرار في هذه الصحيفة من دون شك عرض كان أكثر مما استحقه، وكانوا معي أكرم مما توقعت، وأشهد أني أصعب الذين واجهتهم في الحرص وقضي الأمر الذي فيه يستفتيان هو «سعد العمدة»، من الصعب أن تفلت من قبضة هذا الرجل إلّا اذا استعملت حيلة قد تبدو غير شرعية. أما الأخ كمال عوض فإني اشهد أنه كان بوابة دخلت عبره لصحف أخرى «دون حتى التى اكتب فيها الآن» وهو من الكوادر الصحفية القديرة والمتمكنة والباسطة يدها باليسر والمعرفة على «ديسك» «الإنتباهة» وعلى سير الأمور بكل تلك النجاحات. حتي الأشياء التى تفرقنا نجحت في أن تجمعني بالأستاذ كمال عوض احد ابرز الصامدين في الصحافة السودانية. أما الزملاء في صحيفة «الإنتباهة» من صحافيين محررين وكتاب ومكتب فني واداري، فقد وجدت منهم كل اللطف، ووصلني منهم ترحيبهم الحار ان اكون بينهم «رغم ان كل الصحف» تملك «انكماشا» طبيعياً وتلقائياً من الوافدين الجدد. في «الإنتباهة» قوة دفع «الترحيب» اكبر من كل شيء، وأعظم من كل مقابل.. واظن ان نجاجها خرج من تلك الروح. «3» لم أبحث عن أن أكون في هذا الموقف، فقد وجدت نفسي في موضع لا يحسد عليه ما بين زملاء كنت ومازلت «واحداً» منهم حتى وصحيفتهم متوقفة.. وبين زملاء منحوني في عشرة أيام ما تمنحه السنوات من إلفة وعشرة. من قبل وضعتني الاقدار بين الصحيفة العريقة «قوون» والواثبة «ق سبورت» لأجمع بين الأختين صحفياً. لكن وضعي الآن اخطر بين الاستمرار في «الإنتباهة» او العودة الى «الصيحة». صعب عليّ أن اترك «الصيحة» في هذا الموقف.. والواجب يحتم عليّ ان اكون بينهم، وأنا واحد منهم حتي لا نكون «بياعين» للكلام والمواقف. كما أن «وعدي» للطيب مصطفى يلزمني بألا اتخلى عن «وعدي» وانا سعيد بذلك، وكما شهدنا لسعد العمدة بالقدرة الادارية الكبيرة، نشهد للطيب مصطفى بصدقه، فهو للامانة من اصدق الذين تعاملنا معهم. مع حق احتفاظي كاملاً بالاختلاف مع الطيب مصطفى ومع سعد العمدة في الكثير من المواقف ان لم يكن في كل المواقف. صدق الطيب مصطفى «ليس كلام جرايد» فقط هو «صدق» يدفع ثمنه غالياً. «4» بقى أن أقول إن خذلت الإخوة في «الإنتباهة» أو خذلت الإخوة في «الصيحة» في أن أكون بينهم يبقى مني ذلك قصوراً.. فليعذرني القارئ الكريم إن استمررت هنا او غادرت إلى هناك. يشهد الله أن خيار البقاء أو الرحيل لا يحدده المقابل المادي، وإنما جملة من المواقف تستوجب تحديد خيار واحد. فإن بقيت أو رحلت.. لكم العتبى حتى ترضوا.