أثار أمر إعادة انتخاب الرئيس البشير لفترة رئاسية جديدة جدلاً متعاظماً في الاوساط السياسية بل وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي من «واتساب» و«فيس بوك» التي تناولت القضية بسخرية واضحة، لا سيما وأن البشير قد أعلن مراراً وتكراراً عدم رغبته الجادة في الاستمرار بالرئاسة حيث قدّم اعتذاراً مبكراً للشعب ولحزبه في 2011 عن عدم قبوله الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وانه لم يهدف من ذلك الى المناورة السياسية او المساومة. وبحسب مراقبين فان الخطوة هدفت في حينها الى إعلاء برنامج الاصلاح والتجديد الذي ابتدره الرئيس بتنحي كل من طه ونافع وعدد من القيادات، بغرض افساح المجال للدماء الحارة في قيادة الحزب ودولاب الدولة، فقد سبق للقيادى بالحزب الحاكم أمين حسن عمر ان اكد فى تصريحات صحفية أن الرئيس عمر البشير يعنى ما يقول بعدم نيته الترشح لرئاسة الحزب والانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال إن موقف البشير يعبر عن قناعة عامة فى الحزب بالإفساح لقيادات جديدة ومواصلة الإصلاح وتجديد الدماء، ولذلك كان من الضرورة أن يعضدها بموقف بتأكيد رغبته في تجديد دم القيادة داخل الحزب الحاكم الذي يواجه تحديات جسام داخلياً وخارجياً، منها أزمة الحكم التي وسعت المسافة وعمقت الفجوة بين الحزب والقوى السياسية الأخرى. وبحسب محللين فان إعادة انتخاب البشير احدثت نوعاً من الصراع الخفي داخل أروقة الوطني الامر الذي اعترف به القيادي في المؤتمر الوطني د.نافع علي نافع، حيث اوضح في حديث له بان هناك صراعاً خفياً داخل الحزب اسفر عن ظهور ثلاثة تيارات الاول رافض لامر ترشيحه ويسعى لترشيح بديل للبشير، والتيار الثاني وهو الأغلبية يريد إعادة ترشيحه، والأخير نادى بميلاد مرشح جديد. وكان القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور قطبي المهدي قد أدلى في وقت سابق بتصريحات أثارت الكثير من اللغط حول ترشيح الرئيس البشير لفترة رئاسية جديدة، حيث تأتي تصريحات د. قطبي المهدي عن اتجاه داخل الحزب لترشيح الرئيس عمر البشير لفترة رئاسية أخرى بعد تعديل دورة رئيس الحزب ومرشحه للرئاسة من أربع سنوات إلى خمس سنوات، بهدف التوافق ما بين فترة مرشح الحزب مع فترة الرئاسة والتي أثارت العديد من التساؤلات الحائرة، وأكد فيه أن الحزب سيواجه أزمة كبيرة إذا لم يعطِ موضوع ترشيح البشير في الانتخابات القادمة الأولوية المرجوة. وقطبي المهدي الذي يعد من أكثر المتحمسين لترشيح البشير قال إنه ليس متمسكاً بترشيح الرئيس عمر البشير وتمنياته أن يكون لدى الحزب أكثر من مرشح مثل البشير، ولكن الحزب لم يكن مستعداً لإيجاد البديل والتي يفسرها بعض المراقبين أن الرئيس يعتبر أحد ضمانات الحزب نفسه لامتلاكه قدرات استثنائية في القيادة وتمثيله للمؤسسة العسكرية، وأن غيابه عن الانتخابات القادمة سيكون له تأثير سلبي على الحزب، وكانت غالبية أحزاب المعارضة قد اشترطت لمواصلة مسيرة الحوار الوطني عدم ترشيح البشير لولاية رئاسية جديدة، لأن ذلك يحرم البلاد من تطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي ومع دول الجوار كونه مطلوباً لدى المحكمة الجنائية الدولية والمتسبب الأول في تفشي الحروب الأهلية بالولايات الحدودية، وقد قامت بعض الاحزاب الى اصدار نعي للحوار الوطني الذي يتبناه الوطني كمخرج للبلاد من الازمات بتصريح احد قياديي المؤتمر الشعبي، بان المؤتمر الوطني قد وضع نقطة في آخر سطور عملية الحوار الوطني، لأن ترشيح البشير مرة أخرى لن يؤدي سوى لاستمرار الاحتقان السائد حالياً في المشهد السياسي، فهو شخصية غير مقبولة من جميع الأحزاب الأخرى، وحتى داخل حزبه لا يرحب بعودته مرة أخرى سوى المستفيدون من وجوده الذين أثروا على حساب الشعب السوداني وتسببوا في استشراء الفساد. ومضى المصدر بالقول ما حدث في اجتماع شورى الحزب الحاكم ليس سوى مسرحية سيئة الإخراج بدليل أن الذين رشحوا البشير للرئاسة مرة أخرى هم نائبه السابق علي عثمان، ونائبه الحالي بكري صالح رغم أنهما مرشحان بدورهما. الامر الذي عكس غياب الرأى والصوت الاخر الداعى للاصلاح والتغيير والتجديد القيادى داخل صفوف الوطني . وبحسب مراقبين فإن طبيعة المرحلة التي يمر بها السودان تقتضى أن يستمر المشير عمر البشير في الرئاسة خاصة وان البشير يتمتع بشخصية له قبول وسط القيادات السياسية بالبلاد للكاريزما التي يتمتع بها الامر الذي يتفق معه المحلل السياسي د. الفاتح محجوب في حديثه ل«الإنتباهة»، حيث أكد ان المشكلات التي تحيط بالبلاد من استكمال لعملية الحوار الوطني والمحافظة على عدم تفكيك الدولة والمضي قدماً بعملية الحوار الوطني جميعها عوامل تتطلب ضرورة وجود الرئيس على سدة الحكم، مشيراً الى ان البشير تم اقناعه بضرورة إعادة ترشيحه، وقال إن البشير هو صمام الامان لانجاح الحوار لان وجود مرشح جديد قد يعكس غير ذلك، وقال إن الرسالة التي عمل الوطني على ايصالها للاخرين أنه مصر على المضي قدماً في انجاح الحوار والذي يقود الى حكومة انتقالية او اياً كان مسماها، تشرف على العملية الانتخابية وبناء مؤسسات الدولة وبالتالي تأجيل الانتخابات من عام الى ثلاثة اعوام وانهاء الحرب الدائرة , واضاف د. الفاتح أن البشير اعطى اشارات واضحة لم ينتبه لها الكثيرون من خلال موافقته على اعلان اديس والذي يحمل ضمنياً كل مقررات اعلان باريس، الامر الذي يعني ان الفرصة متاحة للاحزاب السياسة والحركات المسلحة للجلوس على طاولة الحوار. وحول وجود مراكز قوى بالحزب قال ان الامر طبيعي ولكن الحديث حول ضربها شيء مستحيل لان البشير نفسه هناك مراكز قوى وقفت خلف ترشيحه ووصوله الى سدة الحكم ولكن يمكن هدم مراكز القوى المنادية بالجهوية والقبلية وغيرها. فيما يرى القيادي بالوطني د. ربيع عبد العاطي ان اختيار البشير جاء وفق عملية شفافة ومميزة ولكنه عاب عدم وجود المؤسسات من حيث تكريس اناس لانفسهم في اكثر من منصب، الامر يشير الى ضربة في عملية الاصلاح وهو ما اشار له الرئيس، وقال ان ترشيح الرئيس جاء وفقاً لطلب المؤسسات وطالب بضرب مراكز القوى لضمان عملية الاصلاح المنشودة.