بات أمر ترشيح البشير لرئاسة انتقالية جديدة أمراً شاغلاً للأوساط السياسية والحزبية، مما أدى بدوره في ما مضى من أسابيع إلى فوران الساحة واحتدام التصريحات المؤيدة من جهة والرافضة للترشيح من جهة أخرى من بقية الكتل السياسية والقوى المنافسة للمؤتمر الوطني في الانتخابات المزمع قيامها بعد سنتين أو أقل منها بقليل، الشيء الذي دفع مجلس شورى الوطني إلى إيلاء الأمر المزيد من الأهمية، فقد أكد المجلس من خلال جلسته الأخيرة أمس إرجاء أمر البت في ترشيح البشير من عدمه لفترة رئاسية جديدة إلى جلسة المجلس المحدد لها الجمعة القادمة، لتضع بذلك النقاط على الحروف في هذا الأمر، ولفت المجلس إلى تباين الأصوات داخل مجلس الشورى حول موضوع ترشيح البشير من عدمه مرة أخرى لانتخابات الرئاسة، وشدد على دور شورى الوطني باعتبارها السلطة العليا التي تقرر وتفصل في القضايا التي ترفع إليها بعد سلطة المؤتمر العام. وكان في وقت سابق من شهر مارس الماضي قد صرح القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور قطبي المهدي بتصريحات أثارت الكثير من اللغط حول ترشيح الرئيس البشير لفترة رئاسية جديدة، حيث تأتي تصريحات د. قطبي المهدي عن اتجاه داخل الحزب لترشيح الرئيس عمر البشير لفترة رئاسية أخرى، بعد تعديل دورة رئيس الحزب ومرشحه للرئاسة من أربع سنوات إلى خمس سنوات بهدف التوافق بين فترة مرشح الحزب مع فترة الرئاسة التي أثارت العديد من التساؤلات الحائرة، وأكد فيها أن الحزب سيواجه أزمة كبيرة إذا لم يعطِ موضوع ترشيح البشير في الانتخابات القادمة الأولوية المرجوة. وقطبي المهدي الذي كان من أكثر المتحمسين لترشيح البشير، قال إنه ليس متمسكاً بترشيح الرئيس عمر البشير، وتمنياته أن يكون لدى الحزب أكثر من مرشح مثل البشير، ولكن الحزب لم يكن مستعداً لإيجاد البديل، وهذه يفسرها بعض المراقبين بأن الرئيس يعتبر إحدى ضمانات الحزب نفسه لامتلاكه قدرات استثنائية في القيادة وتمثيله للمؤسسة العسكرية، وأن غيابه عن الانتخابات القادمة سيكون له تأثير سلبي على الحزب، والرئيس عمر البشير قد أعلن تمسكه بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة. ومن جانب آخر أثارت تصريحات د. غازي صلاح الدين الأخيرة حول ولاية البشير الكثير من الأحاديث والفتاوى، خاصة أن تصريحات غازي جاءت تحمل الكثير من المتناقضات حينما قال: «إن الدستور لا يسمح بترشيحه أكثر من مرتين» واستدراكه بعد ذلك بالقول: «إن إجماع الناس على أمور البلاد لا يستقيم إلا بالتجديد للرئيس، وعندئذٍ يتم تعديل الدستور أو إصدار دستور جديد يسمح بتجديد غير مقيد للولاية». وقد أكد الخبير الاستراتيجي الأمين محمد الحسن ل «الإنتباهة» أن أمر ترشيح البشير مرهون اليوم بموقف بقية الأحزاب التي ستنزل الى التنافس عبر الانتخابات، وربما أظهرت هذه الأحزاب موقفاً رافضاً لتعديل القانون حتى يسمح للرئيس البشير بالترشح لفترة رئاسية جديدة خارجة عن الاطار القانوني للانتخابات. وقال إن إقناع القوى السياسية الأخرى بفحوى قرار تدعيم القانون ليسمح بالفترة الثالثة من الأهمية بمكان أكثر من مقدرة مجلس شورى الوطني لحسم ترشيح البشير من خلافه. وأبدى الحسن تخوفاً من أن الأمر ربما أدى إلى عدم قيام الانتخابات في موعدها المحدد. وكانت بعض الدوائر قد تداولت أمر صحة الرئيس البشير، باعتبار أنها أحد من العوائق التي تقف حجر عثرة أمام التجديد للبشير، الشيء الذي يدخل المؤتمر الوطني في «مطب» القائد الجديد، ويظهر ذلك جلياً حينما أخذت المعارضة الأمر بشكل مختلف بعد إعلان البشير عدم ترشحه للرئاسة بعد العلة الأخيرة التي أصابته، فدفعها إلى التأكيد بأن ربط خلافة البشير بوضعه الصحي لا يعني المعارضة في شيء، لأن اعتراضها قائم على مجمل هياكل وسياسات النظام التي تحتاج إلى تغيير جذري. وحتى تستبين الساحة الخطى فإنه من الصعب تبيُّن ما ستؤول إليه الأوضاع بخصوص مرشح الحزب الحاكم »الوطني«، سواء أكان البشير أو غيره، ورغم أن النزاع الداخلي حول خلافة الرئيس بين قيادات الحزب قد فتر أواره وهدأت نيرانه، إلا أن الكثير من القواعد قد أشاروا إلى إمكانية التجديد للرئيس البشير لفترة رئاسية جديدة، رغم أن هذه القناعة تجابهها الكثير من المواقف المعترضة لها داخل داخل وخارج الحزب. وينتظر الكثير من المتابعين نتائج ما يدور داخل المؤتمر الوطني في ما يتعلق بأمر التجديد للبشير للترشح لفترة أخرى في الوقت الذي يتحدث فيه الناس عن خلافات بين قيادات الوطني حول أمر الرئاسة. ويبقى أمام مجلس شورى الوطني أن يخرج بقرارات تضع الكثير من الإجابات عن الأسئلة الحيرى الدائرة اليوم، فهل تخرج الأيام القادمة من داخل سرايا الوطني بما يزيح الضباب الكثيف حول أمر الرئاسة داخل الوطني؟!