بات واضحًا أن ما يدور من تصريحات وتكهنات عن إعادة ترشيح الرئيس البشير لفترة رئاسية جديدة أصبح بمثابة أزمة حقيقية تعرض التجربة السياسية السودانية برمتها لامتحان عسير، وتأتي تصريحات القيادي بالمؤتمر الوطني د. قطبي المهدي عن اتجاه داخل الحزب لترشيح الرئيس عمر البشير لفترة رئاسية أخرى، بعد تعديل دورة رئيس الحزب ومرشحه للرئاسة من أربع سنوات إلى خمس سنوات بهدف التوافق ما بين فترة مرشح الحزب مع فترة الرئاسة والتي أثارت العديد من التساؤلات الحائرة حول هذا التصريح الذي جانب إعلانه في الثالث والعشرين من مارس الماضي والذي أكد فيه أن الحزب سيواجه أزمة كبيرة إذا لم يعطِ موضوع ترشيح البشير في الانتخابات القادمة الأولوية المرجوة.. وقطبي المهدي الذي كان من أكثر المتحمسين لترشيح البشير قال إنه ليس متمسكاً بترشيح الرئيس عمر البشير، وتمنياته أن يكون لدى الحزب خمسون مرشحًا مثل البشير، ولكن الحزب لم يكن مستعداً لإيجاد البديل والتي يفسرها بعض المراقبين أن الرئيس يعتبر أحد ضمانات الحزب نفسه لامتلاكه قدرات استثنائية في القيادة وتمثيله للمؤسسة العسكرية، وأن غيابه عن الانتخابات القادمة سيكون له تأثير سلبي على الحزب، خاصة بعد إعلان الرئيس عمر البشير تمسكه بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة.. كل الدلالات تشير إلى أن تصريحات د. قطبي المهدي تعزز موقفه القديم وإن اختلفت اللغة قليلاً وتوجيهه للوم مباشر للوطني بعدم تخريجه لعبقريات قيادية بمستوى البشير.. ومن جانب آخر نجد أن تصريحات د. غازي صلاح الدين الأخيرة حول ولاية البشير بقوله إن الدستور لا يسمح بترشيحه أكثر من مرتين واستدراكه بعد ذلك بالقول إن إجماع الناس على أمور البلاد لا يستقيم إلا بالتجديد للرئيس عندئذ يتم تعديل الدستور أو إصدار دستور جديد يسمح بتجديد غير مقيد للولاية، وحديثه مؤشر قوي على قناعته بحكم القواعد التي تعتبر أن البشير أحد ضمانات المؤتمر الوطني.. وفي ارتباط وثيق ما بين قيادة الدولة وما يدور من أحداث سياسية جعلت المعارضة تأخذ الأمر بشكل مختلف بعد إعلان البشير عدم ترشحه للرئاسة بعد العلة الأخيرة التي أصابته التي جعلت الأمين العام لحزب الأمة القومي المعارض د. إبراهيم الأمين يؤكد أن ربط خلافة البشير بوضعه الصحي لا يعني المعارضة في شيء لأن اعتراضها قائم على مجمل هياكل وسياسات النظام التي تحتاج إلى تغيير جذري، ولفته النظر خلال حديثه للمصري اليوم أنه من الصعب تبيُّن ما ستؤول إليه الأوضاع بخصوص مرشح الحزب الحاكم، سواء كان البشير أو غيره، نسبة للنزاع الداخلي الراهن حول خلافة البشير. الخشية التي جعلت البرلمان يشرع في جمع توقيعات لإثناء الرئيس عن عدم نيته الترشح لدورة رئاسية جديدة والتحذير من نتائج وخيمة قد تنعكس سلبًا على تماسك البلاد إشارات تدل على الخوف من أنه بترك الرئيس لدفة القيادة قد «تنفك الجبارة» و«ينكسر المرق ويشتت الرصاص».. أو هكذا يبدو المشهد السياسي داخل الحزب حيال هذا الأمر على الأقل. ويضاف إلى ذلك تأكيدات كل القيادات على أن ترشيح البشير تحدده أجهزة ومؤسسات حزب المؤتمر الوطني والمجتمع السوداني بأكمله. ويرى بعض المراقبين أنه إذا كان ذهاب رجل واحد مهما علا منصبه وعظم شأنه وطالت تجربته يُدخل حزبًا مثل المؤتمر الوطني في هذه الدوامة من التصريحات والتخوفات فإنه مؤشر خطير على ضعف البنية السياسية للحزب الذي يضم نخبًا سياسية من خيرة أبناء السودان وأكثرهم تأهيلاً مقارنة بكوادر الأحزاب الأخرى، واصطدامهم بعقبة «الشخصية» التي قصمت ظهر الأحزاب الطائفية والقومية والجهوية، وكأن المؤتمر الوطني لم يستفد من الإرث الحزبي والتجربة السياسية في السودان.. «يا جعفر يا ولدي انت صقر لكن سيقانك صفر».. هكذا قال الشيخ ود الريح السنهوري للرئيس الراحل جعفر نميري عند زيارته قرية النهود بشمال كردفان، والتي كان تفسيرها قوله «إن الذين من حولك لا يقولون لك الحقيقة» ومن هنا يتضح أن كاريزما شخصية الرئيس البشير الذي خرج من رحم أمة سودانية، بسيط، متواضع، عفوي، يخالط الناس، ويتميز بكل صفات الشخصية السودانية، دفعت به الأقدار إلى سدة الحكم فوجد نفسه زعيمًا للبلاد في ظروف بالغة التعقيد والصعوبة في كل المجالات مهما اختلف الناس حول الطريقة التي وصل بها إلى القصر أو أداء حكومته..