اعتباراً من يوم 3/ نوفمبر/ 2014م سرى تنفيذ قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما القاضي بتمديد العقوبات الأحادية على السودان لمدة عام آخر، وهى العقوبات المنفذة على السودان لإيذائه حكومةً وشعباً منذ العام 1997م وبرر أوباما قراره بادعائه «استمرار حكومة السودان في الإجراءات والسياسات المعادية لمصالح الولاياتالمتحدة الأمر الذي يشكل تهديداً مستمراً وغير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة»! وهذا بالطبع ادعاء مردود على مدعيه، لأن السودان منذ استقلاله قبل«58» سنة مضت لم تقم فيه حكومة مدنية أو عسكرية معادية للولايات المتحدةالأمريكية حكومةً وشعباً، فنحن شعب تعلم السياسة، وعرف بوعيه السياسي، ودبلوماسيته الفطرية، وبحسه الوطني كيف وإلى أين يوجه «بوصلة« قراراته السياسية والاقتصادية والأمنية حماية لمصالحه العليا، وتنمية لها مع كل طرف إقليمي أو عالمي، ولم يحدث من أية حكومة حكمت السودان على مدى سنوات الاستقلال أن بدأ دولة جارة أو غير جارة، شقيقة أو صديقة، بخصومة أو عدوان، فنحن حكومة وشعباً أعرف بظروفنا المحلية وما نحتاجه من أمن وطني، وسلام اجتماعي، واستقرار سياسي حتى تنطلق قدراتنا البشرية، العلمية منها والفنية والمهنية والحرفية لاستغلال موارد ثرواتنا المتنوعة واللا محدودة حتى نحقق التنمية الإنتاجية والخدمية، لنتحرر من الفقر، وبالتالي نخرج من أساري الجهل والمرض، وأمريكا بسلطتيها التنفيذية والتشريعية وآلياتها الاستخباراتية تعرف ذلك عنا أرضاً وشعباً، كما تعرف حليفتها الإستراتيجية إسرائيل هذاعنا أيضاً، وقالتها إسرائيل رسمياً وبالفم المليان «إذا تركنا السودان يستقر سياسياً وأمنياً فإنه سيصبح دولة كبرى قوية تهدد أمننا، ونحن لن نسمح بذلك» -1- ولأن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي هى « ضامنة أمن إسرائيل» فلن تسمح للسودان ولشعبه الحر، الكامل السيادة الوطنية، والمستقل القرارالسياسي بأن ينعم بالأمن الوطني والسلام الاجتماعي، والاستقرار السياسي حتى لا يهدد أمن إسرائيل الذي هو «لب» أمنها القومي، أو يعيق سياستها الخارجية، فهكذا الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ نشأتها قبل نيف ومائتي عام، دولة قامت على طبع العدوان والظلم واحتقار حريات الشعوب وامتهان كراماتها، ولا ينجو من عدوانها إلا من يطيعها راضياً أو راغماً! أنواع العقوبات بصفة عامة يقول تراسي فاسي مؤلف كتاب«التحالف الغادر»: «أشكال كثيرة للعقوبات فرضت على الدول والمجموعات والأشخاص في العقود السابقة، منها: الحصار الاقتصادي لتجميد الأموال والأرصدة للدول والشركات والجمعيات والأشخاص، وحظر حركة الطيران المدني، وإغلاق فروع المؤسسات والشركات المتهمة في الدول الغربية ومصادرة أموالها، وحرمان الدول من المساعدات الدولية الإنمائية، ومعاقبة الدول والشركات التي لا تلتزم بالعقوبات المفروضة على الدول المعاقبة.. إن العقوبات التي تفرض تحت المظلة الدولية يجب ألا تستخدم الغذاء والحاجات الإنسانية الأخرى أداة في السياسة، فهي تمسي نوعاً من أنواع الإبادة الجماعية والحرب التدميرية الطويلة الأمد ضد السكان المدنيين العزل، وبخاصة الأطفال والنساء والشيوخ، وهو ما يعد جريمة حرب وفق القانون الدولي، ولذا لا بد أن تلتزم العقوبات بحقوق الإنسان وبالقانون الدولي الإنساني، وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة عام 1995 بقوله: «العقوبات، كما تعرف عموماً هي وسائل عديمة الإحساس. إنها تثير سؤالاً أخلاقياً إذا ما كانت المعاناة التي تقع على المجموعات الضعيفة في الدول المستهدفة تعتبر وسائل شرعية بدلاً من ممارسة الضغط على القادة السياسيين الذين سلوكهم من غير المحتمل أن يؤثر عليه محنة مواطنيهم»، وكل ما ورد في هذا النص عن العقوبات التي تصبح بمثابة جرائم حرب وإبادة جماعية تنطبق تماماً على العقوبات التي تطبقها الولاياتالمتحدة على السودان حكومةً وشعباً، وعلى دول وشعوب أخرى عديدة -2- موت الكتيرة عرس! ففي عالمنا اليوم يشاركنا الكثيرون من الشعوب ممن استحقوا غضب حكام الولاياتالمتحدةالأمريكية ولعنتها، فلسنا وحدنا الذين خصتنا الولاياتالمتحدة بعقوباتها الأحادية، وبملاحقة من يتعاملون معنا باعتبارهم متحدين لعقوباتها التي يجب أن تطيع دول العالم كلها إرادتها وتنفذ قراراتها مهما كانت ظالمة، ومدمرة ومخربة ومهينة، وضد كل قانون تواضعت دول العالم على احترامه والالتزام بأحكامه. جاءت في نفس كتاب«التحالف الغادر» الإحصائية التالية لضحايا العقوبات الأمريكية الأحادية من شعوب الأرض: «فرضت الولاياتالمتحدة نحو65 حالة حصار على دول خارجة عن طاعتها ما بين عامي 1940- 1992 ونحو 25 حالة حصار أخرى فرضتها بالتحالف مع دول تابعة لها. ومنذ عام 1990 حتى الآن شهدنا أكبر عدد من العقوبات الأمريكية المفروضة على الدول، فقد فرضت عقوبات اقتصادية انفرادية 115 مرة منذ الحرب العالمية الأولى و104 مرات منذ الحرب العالمية الثانية، بينها 61 مرة خلال فترة الرئيس بيل كلينتون، وحتى نهاية القرن الماضي كانت هناك نحو 100 دولة تخضع للعقوبات أو تعيش تحت التهديد بها.. وبحسب الأكاديمي الأمريكي روبرت بابي فإن نحو خمس فقط من بين 115 حالة عقوبات فرضت منذ الحرب العالمية الثانية أثبتت فعالية معقولة. في المقابل، لم تفعل معظم العقوبات الأخرى أكثر من التسبب بتكاليف إنسانية كبيرة دفعها السكان في الدول المستهدفة، وبضمنهم مدنيون أبرياء ليس لهم تأثير يذكر في سلوك حكوماتهم -3- المصادر: 1- نص محاضرة «آفي ديختر» وزير الأمن الإسرائيلي السابق. 2- كتاب«التحالف الغادر: إيران وإسرائيل وأمريكا تأليف «ترسي فاسي» وهو أمريكي من أصل إيراني ومقيم في أمريكا. 3- المصدر السابق.