كما أشرنا أمس وبناءً على ما ننطلق منه في الرؤية التي نستند ونرتكز عليها في القراءة المتأملة والمتعمقة، في الذي يجري في الوقت الحالي بين السيد رئيس الجمهورية ورئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم والزعيم التاريخي للحركة الاسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة ومعلمها ومرشدها في تأسيسها العام 1989م للسلطة الحاكمة الراهنة د. حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، الذي انشق عن الحزب الحاكم في أواخر تسعينيات القرن الميلادي العشرين المنصرمة.. فإننا نرى أن كل هذا إنما يشير، في الذي ينطوي عليها ويكمن فيها، الى ما هو أعمق من مجرد ما تزامن معه من عودة للتحذير من مراكز للقوى المتنافسة والمتصارعة والمتنازعة والمتناحرة على المصالح والمواقع والمراكز الذاتية والشخصية والمادية الضيقة في السلطة القائمة والضائقة والمتأزمة وحزبها، وذلك على النحو الذي جاء التهديد بالتصدي له والتأكيد على عدم السماح بها في الخطاب الختامي الذي أدلى به الرئيس البشير في المؤتمر العام للحزب الحاكم مساء السبت الماضي. وفي سياق هذا الإطار البعيد المدى في الرؤية التي نسعى للتعبير عنها، وللمزيد من التوضيح لها، فإن السؤال الذي يفرض ويطرح نفسه كما نرى هو هل يا ترى عاد د. الترابي من التجربة الصعبة والمعقدة التي خاضها عندما أقدم على القيام بالانقسام عن السلطة الحاكمة القائمة وحزبها، وتولي القيادة حينها في حزب المؤتمر الشعبي المعارض والمناهض لها وذلك على النحو الذي جرى منذ مطلع القرن الميلادي الحادي والعشرين الحالي، وكما أشار لذلك في كتاب «عبر الإثني عشر من السنين» الذي صدر عن الحزب الأخير في ذلك الحين.. الى العودة للتعويل من جديد على الرئيس البشير في الشوط الثاني لتقرير المصير الوطني، بعد ان انتهى الشوط الأول من هذه التجربة البالغة الحدة والشديدة الوطأة الى ما أدى للاقرار بالانفصال الرسمي والشرعي للجنوب السوداني عن شمال السودان، وذلك إضافة الى ما افضى إليه كل ذلك فيما يتعلق بالقدرة على الاستفادة من الدروس والعبر المستخلصة وإستيعابها والسعي المتمادي والمتفاني في العمل من اجل توظيفها في سبيل التقليل من الخسارة الفادحة الناجمة والناتجة عنها، وتعزيز المكاسب القليلة والرخيصة وتعظيمها والمحافظة عليها وترسيخها وتطويرها بهمة هادفة ورامية الى تحقيق المزيد من التمكين والتوطيد للحركة الاسلامية الحديثة والمعاصرة في السودان، وربما في غيره من البلدان الاخرى ذات الصلة الفاعلة والمتفاعلة والمؤثرة والمتأثرة سواء كانت مجاورة بصفة مباشرة أو دول مترابطة مع بعضها بصفة عامة وغير مباشرة على المستوى العربي والافريقي وفي الصعيد الاسلامي والعالمي. وتجدر العودة في سياق هذا الاطار للرؤية، إلى الإفادة المهمة والبعيدة المدى التي أدلى بها د. الترابي كما سمعتها منه شخصياً في اللقاء الذي اتيح لي ان التقى به ومعي صديق شخصي من الاخوة الاعزاء الذين شاءت أقدارنا ان نرتبط بهم ونسعد بكرمهم ودفء أخوّتهم ومودتهم. وقد جرى ذلك اللقاء بشيخنا وأستاذنا الجليل د. الترابي في مقره السكني بمنزله في ضاحية المنشية شرق الخرطوم، وكان معه في الساعة المتأخرة من مساء تلك الليلة بعض الإخوة الأعزاء وبأعداد محدودة ولايتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. كما كانت تلك الزيارة للشيخ الترابي هي الأولى والأخيرة حتى الان بالنسبة لي منذ عودتي من المنفى الطوعي الذي إخترته لنفسي على مدى الفترة الممتدة من مطلع تسعينيات القرن الميلادي العشرين المنتهي وحتى النصف الثاني من العام 2004م الماضي. وفي ذلك اللقاء الذي جاء في مساء اليوم الذي قرر فيه السيد الرئيس البشير إقالة كل من نائبه الأول السابق الاستاذ الجليل علي عثمان حاقن دماء أهل السودان، ومساعده السابق الأخ الكريم وصاحب السريرة النقية والطاهرة د. نافع علي نافع، ووزير الطاقة السابق وصاحب الهمة العالية الأخ الكريم د.عوض الجاز، ووزير الكهرباء والسدود السابق صاحب القدرة الهائلة على الأداء والإنجاز الأخ الكريم اسامة عبد الله، وذلك في خطوة كانت قد جاءت بمثابة مفاجأة كبرى وخطوة حاسمة وفاصلة كان لابد ان يكون لها ما بعدها على نحو مغاير لما سبقها بصورة شاملة. في تلك الليلة أدلى د.الترابي بالإفادة المهمة التي سنعود لها غداً إن شاء الله.