قبل سنوات عديدة كنت في زيارة عمل لمدينة بورتسودان وبرفقتي الصديق والزميل محيي الدين شجر، ولسوء حظنا أن زيارتنا كانت في فصل الصيف، وما أتعس الصيف في المدينة الساحلية!!، حيث هرب الكثير من أهل المدينة بسبب الرطوبة وشح المياه، فقلت لصديقي شجر «أهل الخرطوم يعيشون في نعمة كبيرة اسمها المياه» فضحك صديقي كثيراً وقال لي «معاناة المياه ليست في بورتسودان فقط بل هناك مدن كثيرة منها ما هو نيلي ولكن أهلها يعانون من العطش». إن العالم أجمع يحاول المحافظة على المياه وعدم إهدارها بل إن بعض الدول العربية الشقيقة تصرف الكثير من الأموال من أجل تبصير المواطنين بأهمية المياه وضرورة الترشيد حتى يستمتعوا بخيراتها، ولكن في السودان كل شيء يسير بالعكس فالأراضي الخصبة على امتداد البصر ونستورد القمح، والمياه تجري في أراضينا والعطش يسيطر على الكثير من المدن والقرى، وإن كانت ولاية الخرطوم هي الأكثر حظاً من بقية ولايات السودان فإن هناك بعض المناطق في هذه الولاية يشتكي أهلها من ضعف المياه وشحها في البعض الآخر، ولكن المحير فعلاً هو إهدار هذه المياه في بعض مناطق الخرطوم، ففي وقت سابق كتبنا عن «ماسورة» الفتيحاب التي لم تجد من يعالجها لزمن طويل وصنعت المياه المهدرة بركة صالحة «للبعوض»، وقبل أيام قليلة وصلتني رسالة من الأستاذ حسن هيكل عضو اللجنة الشعبية بحي الصحافة حملت تقريبا نفس المشكلة السابقة بالفتيحاب وهي كسور في الخط الناقل الجديد، وقالت رسالته إنهم كلجنة شعبية قاموا بإجراء بلاغ في الصحافة مربع 18، ولكن شيئًا لم يحدث فكرر البلاغ في محطة سبعة ولكنه تفاجأ بأن البلاغ مسجل في دفاترهم، وقدم هيكل مقترحًا بتحويل مهام أمر الصيانة والاستهلاك لجمعية تعاونية حتى تتم المحافظة على المياه التي يفتقدها الكثيرون خارج الخرطوم وكذلك داخلها، وحتى كذلك لا تهدر المياه في المواسير المكسورة. إن المواطن ينتظر الكثير من حكومة الخرطوم«الجديدة» والتي يبدو من مظهرها العام أنها حكومة عملية لا تركن للمكاتب كثيراً ونرجو أن يكون هذا صحيحًا من أجل توفير الخدمات للمواطن ومن أجل المحافظة على حقوقه من الإهمال والجشع والكسل.