كما أشرنا أمس في سياق ما نقوم به من قراءة متأملة ومتعمقة ومتمعنة في محطات الدور الوطني والحضاري الذي يقوم به الاستاذ الجليل والشيخ النبيل علي عثمان محمد طه منذ بروزه وصعوده على المسرح السياسي في المستوى القيادي للحركة الاسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، فقد أدى ادراج بروتكولات منفصلة ومخصصة لما يسمى ب «المناطق السودانية الشمالية الثلاث المتاخمة» لجنوب السودان ضمن اتفاقية السلام الشامل الخاصة بالعلاقة بين الشمال والجنوب السودانيين، والمبرمة لدى اكتمالها العام 2005م بعد مفاوضات ماراثونية مرهقة وشائكة وصعبة ومعقدة، وكانت معرضة لضغوط اجنبية طاغية ومكثفة ومتدخلة فيها بقيادة الولاياتالامريكيةالمتحدة، وخاصة في الجولة الطويلة والاخيرة منها التي تولى قيادتها بصفة مباشرة كل من الاستاذ علي عثمان من جانب السلطة الحاكمة الراهنة ومعه من الجهة الاخرى الممثلة للحركة الشعبية حينها زعيمها وملهمها ومرشدها الراحل د. جون قرنق.. أدى ذلك لادراج بروتوكولي ابيي وجبال النوبة والنيل الأزرق الى ما أفضى إليه من استدراج على النحو الذي جرى منذ ذلك الحين، وصار بمثابة عقبة وعرة وعقدة معرقلة للعلاقة بين الشمال والجنوب السودانيين حتى بعد انفصالهما الى دولتين مستقلتين عن بعضهما وتحظى كل منهما بسيادة وطنية كاملة ومكتملة ومتمتعة بالاعتراف بها على مستوى المجتمع الدولي بنظمه وقوانينه والقوى السائدة فيه والمتسلطة والمتسلطنة عليه والمهيمنة والمسيطرة على مؤسساته واجهزته واوضاعه القائمة. وبناءً على هذا فإن السؤال الذي يبقى بحاجة ملحة الى إجابة موضوعية شافية ومقنعة هو إذن لماذا تمت الموافقة من قبل القيادة العليا للدولة والجهة الحاكمة لها والمؤسسة للسلطة الراهنة ممثلة في الحركة الاسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة على ما جرى التوصل لها في الجولة الاخيرة لمفاوضات نيفاشا التي قادها كل من طه وقرنق بصفة عامة، وبشأن التسوية المتمثلة في ادراج البرتوكولات المنفصلة والمخصصة لما يسمى بالمناطق الثلاث المشار إليها على وجه الخصوص ضمن اتفاقية السلام الشامل المتصلة بالعلاقة بين الشمال والجنوب والسودانين؟.. بل ولماذا أصلاً تمت الموافقة المبدئية أثناء تلك المفاوضات على القبول بمثل هذه التسوية التي توصل لها كل من طه وقرنق كمخرج ومعالجة تم تسويقها على انها ستكون ناجعة وناجحة ومفلحة في الخروج من هذه الأزمة وهذا المأزق الذي كان كامناً ثم ما لبث ان إنفجر وفجر وتفجر وأضحى مستعصياً على الحل والتسوية في المرحلة اللاحقة لما اسفرت عنه اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل من نتيجة أفضت الى قبول بالموافقة على انفصال جنوب السودان عن الشمال؟ وكما نرى ووفقاً لما نقوم به من قراءة ومتابعة متأملة ومتعمقة ومتمعنة مثل هذه الاجابة التي ستبقى مطلوبة ولا مناص منها لن تكون بسيطة وليست سهلة. وعلى ما يبدو فإن الذي سعت له السلطة الحاكمة القائمة والطاقم الممثل لها في تلك الجولة الفاصلة والحاسمة من مفاوضات نيفاشا بقيادة طه حينها ربما كان يتمثل في التركيز على وجود ضرورة كانت ضاغطة عليها للوصول إلى معالجة شاملة وصالحة لكي تكون بمثابة حل نهائي للعلاقة بين شمال وجنوب السودان، وذلك حتى لا تظل هذه المسألة مستمرة ومتواصلة كعكننة مستنفرة ومهلكة ومستنزفة ومدمرة وساحقة لموارد البلاد، ومعرقلة ومعوقة لغرسها وتطلعاتها الهادفة الى النهوض بها وتنميتها. وفي سياق مثل هذا الاطار للرؤية فربما قد يمكن ويجوز ويصح القول ان السلطة الحاكمة الراهنة كانت قد انطلقت لدى الموافقة على القبول بادراج ما يسمى بالمناطق الشمالية الثلاث المتاخمة للجنوب ضمن بروتوكولات خاصة بها في إتفاقية السلام الشامل مع الجنوب، من وجود استهانة لديها بما لدى من كانوا يزعمون انهم ممثلون لهذه المناطق كقطاع شمالي في الحركة الشعبية من قدرة على البقاء والصمود في المواجهة بعد أن يتم الانتهاء من الترتيب النهائي للعلاقة مع القطاع الجنوبي المحوري والجوهري والاساسي والرئيسي في الحركة الشعبية على النحو الذي جرى حينها وأفضى وأدى الى ما إنتهى اليه وما نجم عنه وترتب عليه.. ولكن هناك بالطبع أبعاد ودوافع أخرى لمثل هذه الرؤية.. وهذا هو ما سنتطرق له غداً إن شاء الله.