كل الرحيق كان في احتفالية نهارية شهدتها قاعة اتحاد المصارف، أقامتها «ندوة العلامة عبد الله الطيب» بالتعاون مع مجلس أمناء جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي وبرعاية «زين»، على شرف الشاعر والأديب محمد المكي إبراهيم.. الذي حلَّ ضيفاً على بلاده منذ معرض الخرطوم للكتاب في مطلع سبتمبر الماضي وإلى اليوم، وهو من احتفالية إلى أخرى، يقابل الود بالود.. ونهارية اتحاد المصارف كانت تحمل الكثير من الود والترحاب، وكانت محضورة من مبدعين ونقاد وأساتذة أجلاء. حضور ضاقت به القاعة. تحدث فيها متحدثون بأوراق ودراسات نقدية، إضافة إلى عدد من القراءات الشعرية، وختمت بغنائية أكتوبرية أداها الفنان عاطف عبد الحي ألهبت حماس الحضور.. وقبل الختام تحدث المحتفى به الأستاذ محمد المكي إبراهيم، شاكراً ممتناً ومداعباً حيناً لشخصيات من الحضور. سعدت بحضور تلك الاحتفالية وبمقابلة الشاعر محمد المكي، لكنني أحسست أنه يبدو مرهقاً قليلاً، وقلت في نفسي لقد أكرمناه حد الإرهاق كما يبدو.. ليست لدينا إشكالية في أن نحتفي بمبدعينا على الإطلاق، بل ونسعد بذلك لكن.. لماذا لا نوازن ونعتدل في الأشياء.. لماذا لا نحتفي بذات الحماس بمبدعين داخل الوطن.. قدموا وأسعدوا بالكلمة واللحن والأداء وغلبتهم الدنيا قعدوا أو استكانوا أو ما زالوا يصارعون هنا وهناك.. دوماً من يأتي بذلك البريق ونؤخذ نحن، وما أرجوه ألا يحجب البريق عنا آخرين هم بحاجة للالتفات والاحتفاء.. سلمك الله شاعرنا محمد المكي إبراهيم، وسلم الله كل مبدعي بلادي.. وقد أسعد شاعرنا الحضور بكلمته وتعقيبه على المتحدثين وما جادت به قريحته حينها من تداعي ذكريات وأحداث، وكان حديثاً خفيفاً لطيفاً.. قال من ضمن حديثه إنه يعتبر نفسه تلميذاً لصلاح أحمد إبراهيم، وعندما بدأ كتابة الشعر كانت غابة الأبنوس أمثولته، وكان يحفظه عن ظهر قلب.. كما تتلمذ على يد محمد المهدي المجذوب، وقال عنه إنه كان رجلاً جريئاً وثائراً، وكان علماً في مجال العلاقة بين الجنوب والشمال، وأنهم كانوا يتحلقون حوله مستفيدين منه، كما استفاد هو من تحلقهم هذا.. وأنه كان الملك غير المتوج للشعر العمودي في السودان، وأن المجذوب انتقل من الشعر المقفى إلى شعر التفعيلة وإلى قصيدة النثر وأنهم استفادوا كثيراً من رغبته في الخروج من التقاليد المعيبة، وأنه كان سنداً لهم.. وحكى طرفة عن بروف عبد الله الطيب أنه في مرة أوقف تاكسياً كان يقل المجذوب، وقال له: المجذوب.. تكتب الشعر الحديث؟! وأخرج له لسانه! ثم تحدث عن محمد عبد الحي وأنه كان ركناً ركيناً في حركة الثقافة في السودان، وضحى بقبول منصب وكيل مصلحة الثقافة، فقد تطوع وقبل المنصب وخدم الثقافة خدمات كثيرة. وقال إنه يجب أن يأتي يوم يتم فيه رصد ما قام به محمد، وما أدخله من تجديد أثناء ولايته، وأهم ما صرح به عندما تحدث عن علاقته بالوطن، وقال إنها علاقة مزدوجة، علاقة حب وكراهية وعلاقة تذمر. موضحاً أنها ليست كراهية في الوطن أو فيمن يحكمونه.. بل كراهية للذل الحضاري الذي نحياه، فقد ماتت فينا كما قال الرغبة في التفوق والتميز، وهو يحلم بكوادر في مختلف المجالات تكون نجوماً ساطعة ليس في سماء الوطن فقط، بل في العالم أجمع.. حفظ الله شاعرنا، وحفظ مبدعينا وبلادنا.. ونسأل الله ان تتجدد الهمم دوماً مرتقية نحو الأعالي..